نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ أَنْ لَا يَتَّبِعَ شَيْئًا مِنْ اخْتِيَارَاتِهِمْ لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ لِلشَّافِعِيِّ دُونَ غَيْرِهِ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُقَلِّدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ شَيْئًا مِنْ اخْتِيَارَاتِهِمْ إذَا لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ الْإِمَامَ الْبَيْهَقِيَّ رَوَى فِي الْمَبْسُوط عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ إذَا وَلَّتْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ بِنَفْسِهَا رَجُلًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ رُفِعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفْسَخَهُ وَسَوَاءٌ طَالَ أَوْ قَصُرَ وَجَاءَ الْوَلَدُ أَوْ لَمْ يَأْتِ كَذَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ أَيْضًا وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ رُفْقَةً جَمَعَتْهُمْ الطَّرِيقُ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَوَلَّتْ أَمْرَهَا رَجُلًا فَزَوَّجَهَا فَجَلَدَ عُمَرُ النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ وَلِهَذَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَلَقَدْ طُلِبَ مِنِّي الْفَتْوَى بِهِ فِي سَفَرٍ لَيْسَ بِهِ قَاضٍ فِي امْرَأَةٍ حَصَلَ لَهَا الضَّرَرُ الْبَالِغُ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ مِنْ عَدَمِ الزَّوْجِ فَامْتَنَعْت مِنْ ذَلِكَ وَقُلْت لَا أَكُونُ سَبَبًا لِتَسْلِيطِ النَّاسِ عَلَى الْأَبْضَاعِ بِغَيْرِ أَمْرٍ بَيِّنٍ.
وَضَيَاعُ أَمْرِ دُنْيَاهَا أَهْوَنُ مِنْ التَّسْلِيطِ عَلَى بُضْعِهَا بِغَيْرِ طَرِيقٍ مُعْتَبَرٍ اهـ الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّ الْإِمَامَ الشَّاشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِأَنَّهَا تَرُدُّ أَمَرَهَا إلَى رَجُلٍ عَدْلٍ يُزَوِّجُهَا وَهَذَا لَا يَجِيءُ عَلَى أَصْلِنَا قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ الْأَمْرُ الرَّابِعُ أَنَّ الْأَمَامَ ابْنَ الْقَطَّانِ لَمَّا قَالَ الْإِمَامُ الْإِصْطَخْرِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ جَازَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يُحَكِّمَا مُسْلِمًا يَعْقِدُ نِكَاحَهُمَا قَالَ أَعْنِي ابْنَ الْقَطَّان وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْننَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسُلْطَانٍ اهـ الْأَمْرُ الْخَامِسُ إنَّمَا حُكِيَ عَنْ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ الْبِنَاءُ عَلَى التَّحْكِيمِ.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ يَعْنِي إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْبِنَاءُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هُنَاكَ حُكْمًا فِيمَا يَتَنَازَعَانِ فِيهِ مِنْ أَمْرِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ فَيَصِيرُ النَّظَرُ لَهُ فِيمَا حَكَاهُ فِيهِ خَاصَّةً وَهَذِهِ وِلَايَةٌ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا الْأَمْرُ اهـ السَّادِسُ أَنَّ الْإِمَامَ الرَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَهُ فِي الْعَزِيزِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا زَوَّجَهُ مَنْ فَوْقَهُ مِنْ الْوُلَاةِ أَوْ خَلِيفَتُهُ إنْ كَانَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ أَوْ خَرَجَ إلَى قَاضِي بَلَدٍ آخَر وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَلَوْ كَانَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَعْرِضَ أَمَرَهَا إلَى عَدْلٍ لِيُزَوِّجَهَا مِنْ الْقَاضِي لَمْ يُكَلَّفْ الْقَاضِي الْخُرُوجَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ حَتَّى يُزَوِّجَهُ الْقَاضِي الَّذِي يَخْرُجُ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ كَمَسْأَلَتِنَا الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ فَوْقَهُ مِنْ الْوُلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ فَتَنَاقَضَ كَلَامُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ اخْتَارَ أَوَّلًا تَفْوِيضَهَا إلَى عَدْلٍ ثُمَّ تَابَعَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
ثَانِيًا إلَى خُرُوجِ الْقَاضِي إلَى قَاضِي بَلَدٍ آخَرَ الْأَمْرُ السَّابِعُ أَنَّ فِي الْوَكَالَةِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَلَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْرِمُ فِي النِّكَاحِ قَالَ الشَّارِحُونَ لِكَلَامِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُوَكِّلُ أَجْنَبِيًّا فِي تَزْوِيجِهَا لِأَنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا عِنْدَنَا وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ} [النور: ٣٢] أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَزَوَّجُ إلَّا بِوَلِيٍّ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كُتُبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] هَذَا أَبِينُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ دُونَ الْوَلِيِّ لِأَنَّهَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا لَمَا كَانَ لِعَضْلِ الْوَلِيِّ مَعْنًى كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْقُونَوِيُّ ثُمَّ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ نُكَتِهِ فُهِمَ مِنْ اعْتِبَارِهِمْ فِي الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ عَاصِبَ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ أَوْ حَاكِمًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُوَلًّى مِنْ جِهَتِهَا اهـ.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَا رَجَّحَهُ أَبُو الْحَسَنِ السُّبْكِيّ أَوَّلًا مِنْ إنْكَارِ رِوَايَةِ يُونُسَ مِنْ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ تَفَرُّدُ يُونُسَ بِهَذَا النَّقْلِ وَالتَّوَقُّفُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ عَنْ الزَّرْكَشِيّ وَفِي الْمُهِمَّاتِ نَقْلًا عَنْ النَّوَوِيِّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَجَبَ اتِّبَاعُ الْأَكْثَرِينَ الْأَمْرُ الثَّامِنُ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِمَا رَوَاهُ يُونُسُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ وَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا قَوْلَانِ مُخْتَلِفَانِ وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا حَتَّى يُعْلَمَ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا بِلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute