خِلَافٍ اهـ فَعَلَى هَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْأَزْرَقُ إذَا وَجَدَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ اخْتِلَافًا لِلْأَصْحَابِ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ اعْتَمَدَ تَصْحِيحَ الْأَكْثَرِ كَمَسْأَلَتِنَا الْمَسْئُولِ عَنْهَا فَإِنَّ قَوْلَ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ فُهِمَ مِنْ اعْتِبَارِهِمْ فِي الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ عَاصِبَ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ أَوْ حَاكِمًا إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيّ مِنْ إنْكَارِ رِوَايَةِ يُونُسَ كَمَا سَبَقَ وَمَا رَجَّحُوهُ يُوَافِقُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهَا إذَا وَلَّتْ نَفْسَهَا رَجُلًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَمَا سَبَقَ أَيْضًا.
وَإِطْلَاقُ الْأَئِمَّةِ يَشْمَلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِيَ الَّتِي لَا حَاكِمَ لَهَا وَمَا إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ أَوْ لَا فَظَهَرَ لَنَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي لَا وَلِيَّ لَهَا إذَا وَلَّتْ أَمْرَهَا عَدْلًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بَلْ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا حَاكِمٌ أَوْ مُحَكَّمٌ بِشَرْطِهِ وَلَوْ كَانَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَوْ لَا أُوضِحُوا لَنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِجَوَابٍ شَافٍ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ أَبْقَاكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ بَلْ جَزَمُوا بِهِ حَتَّى فِي الْمُخْتَصَرَات وَسَيَأْتِي تَوْجِيهُهُ وَالِاسْتِدْلَالُ لَهُ فِي أَثْنَاءِ رَدِّ مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الثَّانِي لَكِنَّ مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ عَنْ الْأَذْرَعِيُّ آخِرًا مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فَقْدُ الْوَلِيِّ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ حُضُورِهِ فِي الْبَلَدِ أَوْ مَا قَرَّبَ مِنْهُ لَيْسَ صَافِيًا عَنْ الْإِشْكَالِ عَلَى أَنَّهُ خُولِفَ فِيهِ فَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ بِخِلَافِهِ فَقَالَ لَوْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَجُزْ التَّحْكِيمُ لِأَنَّ نِيَابَةَ الْغَائِبِ لِلْقَاضِي اهـ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ إذْ عِبَارَتُهُمَا ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ مِنْ نَسَبٍ أَوْ مُعْتِقٍ.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ لَمْ يَجُزْ لَهَا التَّحْكِيمُ لَكِنْ جَرَى ابْنُ الْعِمَادِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ قَدْ تُشِيرُ إلَيْهِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَمْكَنَهَا أَنْ تُرْسِلَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ أَوْ يُوَكِّلَ فَإِنْ قُلْت فَكَذَلِكَ تُرْسِلُ لِلْحَاكِمِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَحِلِّهَا فَلَيْسَتْ وِلَايَةُ الْوَلِيِّ الْحَاضِرِ أَقْوَى عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَتَوَسَّطَ وَنَقُولَ إنْ سَهُلَتْ مُرَاجَعَةُ أَحَدِهِمَا أَعْنِي الْوَلِيَّ أَوْ الْحَاكِمَ إذَا غَابَا إلَى مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَر تَعَيَّنَتْ وَلَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تُوَلِّيَ عَدْلًا يُزَوِّجُهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لَهَا ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَعِنْدَ مُرَاجَعَةِ الْوَلِيِّ أَوْ الْحَاكِمِ إنْ لَمْ يُوجَدْ الْوَلِيُّ لَا ضَرُورَةَ وَإِنْ لَمْ تَسْهُلْ مُرَاجَعَةُ أَحَدِهِمَا بِأَنْ فَحَشَ بَعْد مَحَلِّهِمَا وَحَقَّتْ حَاجَتُهَا إلَى النِّكَاح جَازَ لَهَا أَنْ تُوَلِّيَ مَعَ الزَّوْجِ أَمَرَهَا عَدْلًا يُزَوِّجُهَا لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ أَمَّا إذَا قَرُبَ مَحَلُّ أَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ مُطْلَقًا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي وَنُبَيِّنُ مَا فِيهِ فَنَقُولُ قَوْلُهُ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَبَّادِيَّ قَالَ فِي الطَّبَقَاتِ إلَخْ كَلَامٌ لَا يُجْدِي شَيْئًا لِأَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَأَنَّ الثِّقَةَ إذَا رَوَى شَيْئًا وَأَثْبَتَهُ وَنَفَاهُ غَيْرُهُ قُدِّمَ الْمُثْبَتُ عَلَى النَّافِي.
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَ يُونُسَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَوْ قَالَ لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ هَذَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّ يُونُسَ مُثْبِتٌ وَغَيْرُهُ نَافٍ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فَإِذَا كَانَ هَذَا الْإِنْكَارُ لَا يُقْبَلُ مِمَّنْ عَاصَرَ الشَّافِعِيَّ وَرَآهُ وَأَخَذَ عَنْهُ وَكَانَ مُطَّلِعًا عَلَى أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ فَمَا بَالُك بِمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ تَفَرُّدُهُ بِهَذَا النَّقْلِ لِأَنَّ تَفَرُّدَ الثِّقَةِ مَقْبُولٌ وَإِنْ قُدِّمَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ أَقْوَى مِنْهُ لَا لِأَنْكَارِ مَا انْفَرَدَ بِهِ وَقَوْلُ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ فِي ثُبُوتِهِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَوِّلْ مَنْ بَعْدَهُ عَلَيْهِ بَلْ أَطْبَقُوا عَلَى حِكَايَتِهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الشَّافِعِيِّ سِيَّمَا الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا حَكَيَاهُ عَنْهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَا مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَنْكَرَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَقَالَ أَنَّهُ تَحْكِيمٌ وَالْمُحَكَّمُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَاكِمِ انْتَهَى وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْإِنْكَارَ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى إنْكَارِ النَّقْلِ فَإِنَّ يُونُسَ ثِقَةٌ جَلِيلٌ فَلَا يَسَعُ أَحَدًا تَكْذِيبُهُ فِيمَا نَقَلَهُ وَإِنَّمَا الْإِنْكَارُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَحْنُ مُسَلِّمُونَ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَشَارَ إلَى أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِهِ بِقَوْلِهِ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِهِ إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ.
وَمِنْ قَوَاعِدِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ فَهَذَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِهِ بِلَا رَيْبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute