اللَّفْظِ وَقَدْ وُجِدَ فَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ فِي اللَّفْظِ وَلَوْ بِمَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِيهِ مُتَعَبَّدٌ بِهِ.
(وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ حَضَرَ شَاهِدَانِ فِي ظُلْمَةٍ نِكَاحًا فَسَمِعَا لَفْظَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ شَخْصِهِمَا فَهَلْ يَكْفِي؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ الرُّويَانِيّ عَنْ الْأَصْحَاب كَمَا فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ بِبَابِ بَيْتِ فِيهِ اثْنَانِ فَقَطْ فَسَمِعَ تَعَاقُدَهُمَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَفَى وَلَمْ يَحْتَجْ لِلرُّؤْيَةِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلٍ إلَّا بِالْإِبْصَارِ خِلَافُ ذَلِكَ لَكِنْ اسْتَبْعَدَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا الثَّانِي وَمِيلَ كَلَامُهُ إلَى اعْتِمَادِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَرِيبٌ إنْ عَرَفَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَسَمِعَا لَفْظَهُمَا وَتَحَقَّقَاهُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلتَّحَمُّلِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ الْعَقْدِ أَمَّا مُجَرَّدُ انْعِقَادِ النِّكَاحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِحُضُورِهِمَا وَسَمَاعِهِمَا لِلَفْظِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَاهُمَا أَصْلًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ إمْكَانُ إثْبَاتِهِ أَلَا تَرَى إلَى انْعِقَادِهِ بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ وَعَدُوَّيْهِمَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حِينَئِذٍ.
(وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يُسَنُّ أَنْ يَنْوِيَ بِالنِّكَاحِ التَّعَفُّفَ وَالنَّسْلَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ حِينَئِذٍ سُنَّةٌ لِمِثْلِ هَذَا وَالسُّنَّةُ لَا يَحْتَاجُ فِعْلُهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ إلَى نِيَّةٍ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفِعْلِهَا غَرَضًا آخَرَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَعْنَى قَوْلِهِ يُسَنُّ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ سُنَّةِ النِّكَاحِ فَالنِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلثَّوَابِ عَلَى النِّكَاحِ الْمَسْنُونِ بَلْ كَمَالٌ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ طَلَبِهِ عَدَمُ الثَّوَابِ عِنْدَ فَقْدِهِ فَسَقَطَ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَدَّعِيَ أَنَّ النِّكَاحَ يَحْتَاجُ الثَّوَابَ عَلَيْهِ لِنِيَّةِ الِامْتِثَالِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً بِذَاتِهِ بَلْ هُوَ فِعْلٌ مُشْتَرَكٌ تَارَةً يَكُونُ سُنَّةً وَتَارَةً يَكُونُ مَكْرُوهًا وَخِلَافَ الْأَوْلَى وَمُبَاحًا فَحُصُولُ الْعِبَادَةِ لَهُ أَمْرٌ عَرَضِيٌّ فَإِذَا سُنَّ لِشَخْصٍ وَأَرَادَ فِعْلَهُ احْتَمَلَ أَنْ يُجْرِيَهُ عَلَى سُنَنِ الْمُبَاحَاتِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ أَوْ عَلَى سُنَنِ الْمَنْدُوبَاتِ بِاعْتِبَارِ مَا عَرَضَ لَهُ فَاحْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ مُمَيِّزَةِ لَهُ وَلَا يُقَالُ الشَّرْطُ عَدَمُ الصَّارِفِ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِيمَا هُوَ عِبَادَةٌ بِذَاتِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته قَوْلُهُمْ وَلْيَنْوِ بِالسِّوَاكِ السُّنَّةَ وَقَوْلُهُمْ يُشْتَرَطُ لِلثَّوَابِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ تَقَدُّمُ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَمْ يُثَبْ فَإِذَا اُشْتُرِطَ فِي هَذِهِ تَقَدُّمُ النِّيَّةِ مَعَ أَنَّ فِعْلَهَا عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ يَنْدُرُ أَنْ يَقَعَ مِثْلُهُ فِي الْعَادَةِ فَأَوْلَى أَنْ يُشْتَرَطَ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ فِي النِّكَاحِ امْتِثَالُ قَصْدِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ فِيهِ وُقُوعُهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعَادَاتِ وَاسْتِيفَاءِ اللَّذَّات.
(وَسُئِلَ) لَوْ تَابَ الْفَاسِقُ قُبَيْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَابَ الْوَلِيُّ فَمَا الْفَرْقُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الشَّاهِدِ اتِّصَافُهُ بِالْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَوَقَّف قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إنْ مَضَتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْبَتِهِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ وَهِيَ سَنَةٌ وَالشَّرْطُ فِي الْوَلِيِّ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا الِاتِّصَافِ بِالْعَدَالَةِ وَبِالتَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ انْتَفَى الْفِسْقُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ انْتَفَى فِسْقُهُ وَارْتَكَبَ مَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ لَمْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ عَنْهُ بِخِلَافِ الشَّاهِد فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ انْتِفَاءِ فِسْقِهِ انْتِفَاءُ مَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ فَإِنْ قُلْت عَلَّلَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ جَوَازِ كَوْنِهِ شَاهِدًا بِأَنَّ التَّوْبَةَ تَصْدُرُ مِنْهُ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهَا وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْته قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَاسْتَوَى الْوَلِيُّ وَالشَّاهِدُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَنْعِ لِأَنَّ تَوْبَتَهُمَا إنْ صَحَّتْ بِأَنْ وَجَدَتْ شُرُوطَهَا اسْتَوَيَا فِي الْقَبُولِ وَإِلَّا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِهِ بَلْ الْوَجْهُ مَا ذَكَرْته عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الشُّهُودِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ وَفِيهِ مَا فِيهِ.
(وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ زَوَّجَ الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ الْوَلِيِّ ثُمَّ حَضَرَ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا فَهَلْ يُصَدِّقُ الْوَلِيُّ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَخْذًا مِنْ كَلَامٍ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالُوا لَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَزَلَهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَقِيَاسُهُ هُنَا أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا وَقَعَ مِنْ نَائِبه عَقْدٌ وَهُوَ يُرِيدُ رَفْعَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَكَمَا اشْتَرَطُوا لِرَفْعِهِ ثُمَّ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ هُنَا أَيْضًا بَلْ مَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْوَلِيِّ اتِّفَاقًا بَلْ فِيهِ وَجْهَانِ قِيلَ يُزَوِّجُ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ وَقِيلَ بِالْوِلَايَةِ وَلِكُلٍّ فُرُوعٌ تَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُزَوِّجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute