بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ فَعَلَى كُلٍّ تَقْدِيرُ تَصَرُّفِهِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ وَقَدْ اشْتَرَطُوا لِبُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ فَأَوْلَى أَنْ يُشْتَرَطَ ذَلِكَ هُنَا فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ ثَمَّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ ثَالِثٌ وَهُوَ الْمُشْتَرِي فَاحْتِيطَ لَهُ قُلْت وَمَا هُنَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الزَّوْجِ نَعَمْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ دَعْوَى الْمُوَكِّلِ الْعَزْلَ يُنَافِيه قَضِيَّةُ تَوْكِيلِهِ النَّاشِئِ عَنْهُ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي رَفْعِهِ وَأَمَّا الْوَلِيُّ هُنَا فَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ إذْنٌ لِلْقَاضِي بَلْ زَوَّجَ قَهْرًا عَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ أَنَّ دَعْوَاهُ تُنَافِي فِعْلَهُ فَصَدَقَ فِي رَفْعِهِ بِيَمِينِهِ.
(وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ قَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْح الرَّوْضِ وَالْعِبْرَةُ فِي الِانْتِسَابِ إلَى الْآبَاءِ فِي غَيْرِ أَوْلَادِ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَضِيَّتُهَا أَنَّ الشَّرِيفَةَ لَا يُكَافِئُهَا مُطَّلِبِيٌّ وَلَا هَاشِمِيٌّ وَأَنَّ مَنْ أُمُّهَا شَرِيفَةٌ وَأَبُوهَا عَرَبِيٌّ أَوْ عَجَمِيٌّ غَيْرُ شَرِيفٍ لَا يُكَافِئُهَا مَنْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ غَيْرُ شَرِيفَيْنِ فِي الْأَوْلَى وَلَا مَنْ أَبُوهُ قُرَشِيٌّ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَهَلْ هُوَ مَعَ ذَلِكَ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَشَكَرَ سَعْيَهُ صُرِّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَقَضِيَّتُهُ مَا ذَكَرَ وَلَك أَنْ تَقُولَ أَمَّا الْقَضِيَّةُ الْأُولَى فَلَيْسَتْ بَعِيدَةً مِنْ النَّظَرِ لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْسَبُونَ إلَيْهِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُكَافِئُهُ أَحَدٌ فَلَا يُكَافِئُ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ إلَّا مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ فَالْعَبَّاسِيُّ مَثَلًا لَيْسَ كُفُؤًا لِلشَّرِيفَةِ وَإِنْ كَانَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَيَخُصُّ بِذَلِكَ إطْلَاقهمْ أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ أَكْفَاءٌ وَأَمَّا جَوَابُ بَعْضِهِمْ عَنْ تَزْوِيج عَلِيِّ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَعَ كَوْنِهَا قَرَابَةً قَرِيبَةً بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا كُفْءٌ غَيْرُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْمُسْلِم بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ أَبُوهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا وَإِنَّمَا الْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قَرَابَةً قَرِيبَةً إذْ هِيَ فِي أَوَّل دَرَجَاتِ النَّسَبِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَال وَالْخَالَةِ وَأَمَّا بِنْتُ ابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ فَقَرَابَةٌ بَعِيدَةٌ لَا قَرِيبَةٌ وَأَمَّا الْقَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ حَتَّى لِغَيْرِ الْقُرَشِيِّ تَزْوِيجُ مَنْ أُمُّهَا فَقَطْ شَرِيفَةٌ وَأَنَّهُ كُفْءٌ لَهَا ثُمَّ رَأَيْت الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ قَالَا وَجِهَةُ الِانْتِسَاب يَحُدُّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعُلَمَاءُ وَالصُّلَحَاءُ الْمَشْهُورُونَ وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ لَا تُجْبَرُ فَضِيلَةُ نَسَبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفَضِيلَةٍ وَمَا وَرَاءَهُ فَقَدْ تَقْضِي الْعَادَةُ بِجَبْرِ نَقْصِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَاهُ جَبْرُ بَعْضِ الصِّفَاتِ بِبَعْضٍ بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ فِي النَّسَبِ وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ فَافْهَمْ قَوْلَهُ بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَنْوَارِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءُ أَكَانَتْ الْأُمُّ شَرِيفَةً فَقَطْ أَوْ الْأَبُ كَذَلِكَ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَيَقْوَى بِذَلِكَ أَيْضًا كَلَام الْأَنْوَارِ وَقَضِيَّةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَة وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ نِسْوَةٍ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحُوا بِأَنَّ لِلشَّاهِدِ النَّظَرَ إلَى الْفَرْج لِلشَّهَادَةِ بِزِنًا أَوْ وِلَادَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الزِّنَا وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَثْبُت بِالنِّسْوَةِ أَمَّا مَا يَثْبُت بِهِنَّ فَمُقْتَضَى كَلَامهمْ أَنَّ لِلشَّاهِدِ الْمَذْكُورِ الرُّؤْيَةَ لِأَجْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِسْوَةٌ يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحَقِّ بِهِنَّ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِأَنَّ عَدَالَةَ الشَّاهِدِ مَانِعَةٌ مِنْ خَوْفِ الْمَحْذُور الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَا تَجُوزُ الْمُدَاوَاةُ بِغَيْرِ الْجِنْسِ إلَّا إنْ فُقِدَ الْجِنْسُ الصَّالِحُ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ عَدَالَةَ الشَّاهِدِ مَانِعَةٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ بِخِلَافِ الطَّبِيبِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ فَاحْتِيجَ لِجَوَازِ نَظَرِهِ إلَى أَنْ يُقَيَّدَ بِالضَّرُورَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالطَّبِيبِ أَنَّ الشَّاهِدَ يَنْظُرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِسْوَةٌ يُمْكِنُ ثُبُوتُ الْحَقِّ بِهِنَّ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ هُنَا وَمَنْ بَحَثَ هُنَا مَا مَرَّ فِي رُؤْيَةِ الْفَرْجِ فَقَدْ أَبْعَدَ وَأَمَّا الطَّبِيبُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى نَحْوِ الْوَجْهِ إلَّا إنْ فُقِدَ الْجِنْسُ الصَّالِحُ فَعِلْمنَا فُرْقَانَ مَا بَيْنَهُمَا وَأَيْضًا الطَّبِيبُ اشْتَرَطُوا فِي جَوَازِ عِلَاجِهِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ فِي الشَّاهِدِ وَأَيْضًا قَدْ اشْتَرَطُوا فِي الْعِلْمِ ذَلِكَ عَقِبَ ذِكْرِهِمْ مَسْأَلَةَ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهَا شَيْئًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلشَّاهِدِ الرُّؤْيَةَ مُطْلَقًا وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَالَتِهِ مُغْنٍ عَنْ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute