يُقَيِّدْهُ بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَإِقْرَارُهُ بَعْد ذَلِكَ مُؤَكِّدٌ لَهُ وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاق لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَ طَمَعًا فِي الْبَرَاءَةِ فَإِذَا لَمْ يَبْرَأْ لَمْ يَقَعْ وَإِقْرَارُهُ بَعْد ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الصَّحِيحُ.
وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِثْلَ مَا نُقِلَ مِنْ كَوْنِهِ لَمْ يَقْبَلْ لِكَوْنِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ يُوَافِقُ الظَّاهِرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
جَوَابُهُ بِحُرُوفِهِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَال فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا فِي فَتَاوَى الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي فَقَالَ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ طَلَّقْتُك فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ الْخَمْسمِائَةِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَطَلَّقَ أَمْ لَا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت التَّعْلِيقَ.
وَمَنْ نَجَّزَ تَصَرُّفًا ثُمَّ قَالَ أَرَدْت التَّعْلِيقَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا هَذَا فِيمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِبْرَاء لَا يَقْبَلُهُ إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا مُنَجَّزًا فَهَلْ هَذَا يُخَالِفُ مَا فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيّ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ عُجَيْلٍ وَالْفَقِيهِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُعْطِيك كَذَا فَأَبْرَأَتْهُ ثُمَّ امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا يُخَالِفُهُ فَمَنْ أَجَابَ عَلَى هَذِهِ السَّيِّدُ الْجَلِيل الشَّرِيفُ السَّمْهُودِيُّ فَقَالَ إنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْ ابْنِ عُجَيْلٍ وَالْحَضْرَمِيِّ مَنْظُورٌ فِيهِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ اسْتِدْعَاءِ الْبَرَاءَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ فَيُلْحَقُ بِالْهِبَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ.
وَمَعْنَى قَوْلِهَا فِي جَوَابِهِ أَبْرَأْتُك أَيْ بِاَلَّذِي ذَكَرْت إعْطَاءَهُ لَا أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مَجَّانًا وَفَّى بِمَا وَعَدَ أَمْ لَمْ يَفِ بِدَلَالَةِ السِّيَاقِ فَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ وَيَلْزَمُهُ مَا سَمَّى وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْعِ مَا سَمَّاهُ عِوَضًا مِنْ الْمُبَرَّإِ مِنْهُ فَيُتَّجَهُ حِينَئِذٍ عَدَمُ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ وَمَسْأَلَةُ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ لَيْسَتْ نَظِيرًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا نَظِيرُهَا أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ أَبْرِئِينِي مِنْ صَدَاقِك وَأَنَا أُطَلِّقُك فِي نَظِيرِ الْبَرَاءَةِ فَتَقُولُ أَبْرَأْتُك قَاصِدَةً جَعْلَ الْبَرَاءَةِ عِوَضًا غَيْرَ أَنَّهَا حَذَفَتْ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ فَيَقُولُ الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ قَاصِدًا ذَلِكَ وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ بِالرِّسَالَةِ الْمَوْسُومَةِ بِالْمُحَرَّرِ مِنْ الْآرَاءِ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ بِالْإِبْرَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ صِحَّةُ الْإِبْرَاء وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بَائِنًا عِنْد الْعِلْمِ بِالْمُبَرَّإِ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا طَلَاقَ وَلَا بَرَاءَةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ هُنَا ثُمَّ تَعَقَّبَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا هُنَا وَقَدْ سُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَبْرِئِينِي وَأُطَلِّقُك فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك فَقَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَبَانَ أَنَّ الْقَيْدَ الَّذِي أَبْرَأَتْ مِنْهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مَوْضُوعِهِ أَنَّ الزَّوْجَ وَعَدَهَا بِالطَّلَاقِ عِنْد حُصُولِ الْبَرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَ بِهَا الطَّلَاقَ وَأَنَّ الزَّوْجَ ظَنَّ صِحَّتَهَا فَتَبَرَّعَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ الْبَرَاءَةِ لِسَبْقِهَا عَلَى طَلَاقِهِ مُنَجَّزَةً بِحَيْثُ لَوْ صَحَّتْ وَامْتَنَعَ مِنْ الطَّلَاقِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ مَعَ حُصُولِهَا لَهُ فَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ لِعَدَمِ عِلْمِ الزَّوْجَةِ بِمَا أَبْرَأَتْ مِنْهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيه وَضْعُ مَا ذَكَرَ ذَلِكَ هَذَا آخِر كَلَامِهِ بِحُرُوفِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ سِرَاج الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ بِنَحْوِ هَذَا فِيمَنْ سَأَلَ امْرَأَتَهُ الْإِبْرَاء مِنْ صَدَاقِهَا لِيُطَلِّقَهَا فَتُبْرِئُهُ فَيَقُولُ لَهَا طَلَاقُك بِبَرَاءَتِك وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بِصِحَّةِ بَرَاءَتك وَجَمِيعُ أَهْلِ الْحِجَازِ يَسْتَعْمِلُونَ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ لَا يَقَعُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنْ أَوْقَعْنَا بِهِ الطَّلَاقَ وَكَانَ الْإِبْرَاءُ فَاسِدًا فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا زَوْجُهَا إنْ أَبْرَأْتَنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ الصَّدَاقِ يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَإِلَّا فَلَا فَهَلْ هُوَ كَمَا قَالَ؟
أَجَابَ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ فَقَالَ إنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ طَلَاقُكِ بِبَرَاءَتِك أَوْ بِصِحَّةِ بَرَاءَتِكِ إنْ قَصَدَ بِهِ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى صِحَّةِ مَا جَرَى مِنْ إبْرَاءِ الْمَرْأَةِ فَيُنْظَرُ إنْ صَحَّ الْإِبْرَاء لِوُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْمَرْأَةَ لِذَلِكَ وَعَمَلِهَا بِمَا أَبْرَأَتْ مِنْهُ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْإِبْرَاء قَدْ صَدَرَ مِنْ الْمَرْأَةِ صَحِيحًا وَلَمْ يُقَابِلْ الزَّوْجُ طَلَاقَهُ بِعِوَضٍ تَحْقِيقِيٍّ وَلَا تَقْدِيرِيٍّ وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى مُجَرَّدِ صِفَةٍ فَأَشْبَهُ مَا لَوْ صَدَرَ مِنْهَا عَقْدُ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ.
فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ صَحَّ الْعَقْدُ الصَّادِرُ مِنْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَا تَوَقُّفَ فِي أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَقَعُ رَجْعِيًّا عِنْد وُجُودِ الصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يَصِحّ