للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ: وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ الْمَعْصِيَةَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ هُوَ نَظِيرُ مَا قَالَاهُ فِي لَا أُصَلِّي الْفَرْضَ فَلِمَ اُعْتُمِدَ الْحِنْثُ هُنَاكَ وَلَمْ يُعْتَمَدْ هُنَا مُوَافَقَةً لِلْمُزَنِيِّ مَعَ اتِّحَادِ الْمَدْرَكِ وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُمَا: الْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَفَوَاتِ الْبِرِّ بِالْإِكْرَاهِ.

هَذَا حَاصِلُ مَا فِي هَذَا الْمَبْحَثِ مِنْ هَذَيْنِ الْإِشْكَالَيْنِ الْقَوِيَّيْنِ وَيُجَابُ عَنْ أَوَّلِهِمَا بِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِمْ إنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ مَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ تَصَرُّفًا مُنَجَّزًا كَمَا مَرَّ فِي إكْرَاهِ الْقَاضِي لِلْمُولِي عَلَى الطَّلَاقِ، وَلِنَاذِرِ الْعِتْقِ وَشَارِطِهِ عَلَى إيقَاعِهِ، وَلِأَحَدِ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ كَمَا فِي إكْرَاهِ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَفِي هَذَا كُلِّهِ يَقَعُ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ لِمَا مَرَّ مِنْ تَقْصِيرِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ بِتَرْكِ ذَلِكَ الْقَوْلِ، أَوْ الْفِعْلِ اللَّازِمِ لَهُ فِي الْحَالِ الْآثِمِ بِتَرْكِهِ حَتَّى أَحْوَجَ غَيْرَهُ إلَى حَمْلِهِ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلُ شَيْءٍ عَلَّقَ عَلَيْهِ طَلَاقًا مَثَلًا بِاخْتِيَارِهِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ فِي إلْغَاءِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ وَالْإِكْرَاهِ بِبَاطِلٍ؛ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْحِنْثِ وُجُودُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الْإِكْرَاهِ بِقِسْمَيْهِ.

وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِ شُرَّاحِ التَّنْبِيهِ فِي مَسْأَلَةِ غَرِيمِ الْمُفْلِسِ السَّابِقِ فَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَ حَجْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ فَعَلَى قَوْلِ الْمُكْرَهِ أَيْ: فَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا. اهـ. فَتَأَمَّلْ تَعْلِيلَهُ عَدَمَ حِنْثِهِ بِمَنْعِ الْحَاكِمِ لَهُ مِنْ مُلَازَمَةِ غَرِيمِهِ الْمُعْسِرِ بِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا تَجِدْهُ صَرِيحًا أَيْ: صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ وُجُودَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِالْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ كَهُوَ بِالْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَالْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ، فَإِنْ قُلْتَ هَلْ لِمَا ذَكَرْته مِنْ الْفَرْقِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ وَجْهٌ جَلِيٌّ يَتَّضِحُ بِهِ ذَلِكَ؟ قُلْت: نَعَمْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْمُنَجَّزِ لَمْ يَنْظُرُوا إلَّا إلَى تَقْصِيرِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ بِمَا أَوْجَبَ أَنَّ إكْرَاهَهُ بِحَقٍّ وَإِلَى عَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِمَا أَوْجَبَ أَنَّ إكْرَاهَهُ بِبَاطِلٍ، فَقَالُوا فِي الْأَوَّلِ يَنْفُذُ قَطْعًا وَفِي الثَّانِي لَا يَنْفُذُ قَطْعًا.

وَأَمَّا فِي الْمُعَلَّقِ فَلَمْ يَنْظُرُوا كُلُّهُمْ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى ابْتِدَاءِ تَعْلِيقِهِ السَّابِقِ بِاخْتِيَارِهِ فَأَوْقَعَهُ بِفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ وَبَعْضُهُمْ إلَى فِعْلِهِ حَالَ الْإِكْرَاهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَمْ يُوقِعْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ نَظَرًا إلَى عَدَمِ اخْتِيَارِهِ لَهُ فَتَأَمَّلْ اخْتِلَافَ نَظَرِهِمْ وَمَلْحَظِهِمْ فِي الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ يَتَّضِحُ لَك مَا ذَكَرْته وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُعَلِّقَ لَمْ يَجْعَلْ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ مُوجِبًا لِحِنْثِهِ إلَّا إذَا قَارَنَهُ الِاخْتِيَارُ وَالرِّضَا بِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ أَلْفَاظُ التَّعَالِيقِ كَلَا أُفَارِقُ، أَوْ إنْ دَخَلْت وَنَحْوِهِمَا، وَإِكْرَاهُ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْمُعَلِّقِ فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ.

وَأَمَّا التَّصَرُّفُ الْمُنَجَّزُ فَلَمْ يَسْبِقْ مِنْ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي تَقْيِيدُهُ بِاخْتِيَارٍ وَلَا بِعَدَمِهِ فَفَصَلَ فِيهِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ وَعَدَمِهِ نَظَرًا إلَى تَقْصِيرِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَعَدَمِ تَقْصِيرِهِ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا فُرُوعٌ أُخْرَى غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمُفْلِسِ السَّابِقَةِ قُلْت: نَعَمْ وَهَا أَنَا أُمْلِي عَلَيْك مِنْهَا لِتَطْمَئِنَّ نَفْسُك إلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَادِمِ فِيمَنْ ابْتَلَعَ خَيْطًا وَبَقِيَ طَرَفُهُ خَارِجًا ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَالَ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ. اهـ.

فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ وَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ أَيْ: بِبَاطِلٍ تَعْلَمْ أَنَّهُ أَلْحَقَ هُنَا الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ كَالْإِكْرَاهِ بِبَاطِلٍ حَتَّى أَعْطَاهُ حُكْمَهُ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى أَنَّ الِابْتِلَاعَ مِنْ فِعْلِهِ الْمُتَسَبِّبِ عَنْهُ إجْبَارُ الْحَاكِمِ لَهُ عَلَى نَزْعِهِ وَإِنَّمَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَمَّا أَجْبَرَهُ عَلَى نَزْعِهِ صَارَ غَيْرَ مُخْتَارٍ لَهُ فَسَاوَى الْمُكْرَهَ بِبَاطِلٍ فِي عَدَمِ الِاخْتِيَارِ فَلَمْ يُفْطِرْ حِينَئِذٍ وَمِنْهَا مَا فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ لِلْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ فِعْلِ شَيْءٍ كَانَ فِعْلُهُ مُمْكِنًا فَمُنِعَ مِنْهُ كَأَنْ قَالَ إلَّا لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمُنِعَ مِنْ الدُّخُولِ بِالْإِكْرَاهِ إنْ كَانَتْ مِلْكَهُ أَوْ بِالشَّرْعِ إنْ كَانَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِفَوَاتِ الْبِرِّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.

قَالَ وَقَدْ سُئِلْتُ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَزْرَعَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَدَّانًا

<<  <  ج: ص:  >  >>