للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَمُنِعَ بِالشَّرْعِ لِكَوْنِهَا مِلْكَ الْغَيْرِ مِنْ زَرْعِهِ فَظَهَرَ لِي عَدَمُ الْوُقُوعِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا أَيْ: وَهِيَ فَوَاتُ الْبِرِّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ قَالَ وَنَظِيرُهَا وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ الرَّغِيفَ غَدًا فَتَلِفَ الرَّغِيفُ قَبْلَ الْغَدِ أَيْ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ فَفَاتَ الْبِرُّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ حِنْثُ الْمُكْرَهِ أَيْ: وَأَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْحِنْثِ وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ أَيْ: فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مَعْنَاهُ إنْ عُدِمَ دُخُولِي بِاخْتِيَارِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ دَخَلْتهَا مُخْتَارًا لَمْ تَطْلُقْ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَوَّلًا، أَوْ بِالشَّرْعِ وَثَانِيًا فَمُنِعَ بِالشَّرْعِ أَنَّ الْحَاكِم مَنَعَهُ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ فِي جَوَابِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الطَّلَاقِ فِيمَا لَوْ قَالَ إلَّا أَخَذْتِ حَقَّكِ مِنِّي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ حَتَّى أَعْطَى بِنَفْسِهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي فِعْلِ الْمُكْرَهِ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْحِنْثِ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا مَرَّ. وَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُمْ نَزَّلُوا الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ فَكَأَنَّهُ هُنَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ كَرْهًا، وَفِعْلُ الْمُكْرَهِ هُنَا كَلَا فِعْلٍ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي إنْ أَعْطَيْتُك حَقَّك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ اخْتِيَارُ الْمَدِينِ لَا الدَّائِنِ، وَأَمَّا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ عَقِبَ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الرَّافِعِيِّ كَذَلِكَ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْحِنْثِ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ فَهُوَ اشْتِبَاهٌ لِظَنِّهِ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ الْمُعَلَّقُ كَالْمُنَجَّزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ هُوَ إيجَابُ الشَّرْعِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا لَا يَحْنَثُ

كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَيْ لِلْحَائِضِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ كَمَا. . . إلَخْ تَجِدْهُ مُصَرِّحًا بِأَنَّ الْمُكْرَهَ بِحَقٍّ عَلَى فِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ لَهُ لِدَاعِيَةِ الْإِكْرَاهِ الَّذِي بِحَقٍّ فَهَذَا تَصْرِيحٌ أَيْ: صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَتْهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ. . . إلَخْ مِنْ بَابِ اشْتِبَاهِ الْمُعَلَّقِ بِالْمُنَجَّزِ عَلَى أَنَّ الزَّرْكَشِيّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الِاشْتِبَاهِ بَلْ سَبَقَهُ إلَيْهِ شَيْخُهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَوْ قَالَ إلَّا أَخَذْتَ مَا لَكَ عَلَيَّ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَأَخَذَهُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ وَكِيلِهِ وَلَوْ بِتَلَصُّصٍ، أَوْ انْتِزَاعِهِ مِنْهُ كَرْهًا وَالْمَالُ مُعَيَّنٌ فِي الْجَمِيعِ، أَوْ دَيْنٌ وَرَضِيَ بِهِ الْمَدِينُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِعْطَاءِ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ. وَمِثْلُهَا الثَّالِثَةُ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الْوَصْفِ لَا إنْ أُكْرِهَ الدَّائِنُ عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُ فَأَخَذَ مِنْهُ فَلَا تَطْلُقُ اهـ. قَالَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ الطَّلَاقِ عِنْدَ إكْرَاهِ الدَّائِنِ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ مَدِينِهِ مَا إذَا لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ أَخْذُهُ مِنْهُ فَإِنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ آخِرَ السَّلَمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ. اهـ. فَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ. . . إلَخْ هُوَ مَادَّةُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَا مَرَّ عَنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ ذَاكَ اشْتِبَاهٌ فَهَذَا اشْتِبَاهٌ أَيْضًا وَعَجِيبٌ مِنْ شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ كَيْفَ تَبِعَ الْأَذْرَعِيَّ. عَلَى هَذَا الِاشْتِبَاهِ الظَّاهِرِ.

وَكَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته وَهُوَ قَوْلُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ قَالَ لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكَ فَاسْتَوْفَاهُ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ تَبَرَّعَ بِهِ، حَنِثَ.

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَبَضَهُ مُخْتَارًا أَمَّا إذَا قَبَضَهُ جَبْرًا بِالْحَاكِمِ وَيُتَصَوَّرُ فِي الْأَجْنَبِيِّ بِأَنْ يَكُونَ ضَامِنًا فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْ الْإِكْرَاهِ كَمَا إذَا أَفْلَسَ فَفَارَقَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي دَفْعِ الْإِكْرَاهِ عِنْدَ الْفَلَسِ. وَلَا كَذَلِكَ هُنَا فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ عِنْدَ بَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ بِإِبْرَائِهِ مِنْ الضَّمَانِ وَبِإِبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ حَنِثَ بِهِ نَعَمْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْإِكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ. اهـ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى نَفَائِسَ فَقَوْلُهُ أَمَّا إذَا قَبَضَهُ جَبْرًا بِالْحَاكِمِ. . . إلَخْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَعْنِي ابْنَ الرِّفْعَةِ أَلْحَقَ الْجَبْرَ مِنْ الْحَاكِمِ هُنَا بِجَبْرِهِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْمُفْلِسِ الْمُصَرِّحِينَ فِيهَا بِعَدَمِ الْحِنْثِ. كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ. . . إلَخْ فِيهِ بَيَانُ وَجْهٍ آخَرَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَتَقْرِيرُهُ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِكْرَاهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَأَنْ لَا يَجِدَ الْمُكْرَهُ مَنْدُوحَةً عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّائِنَ الْمُكْرَهَ عَلَى الْأَخْذِ بِسَبِيلٍ مِنْ الْإِبْرَاءِ لِلْأَجْنَبِيِّ عَنْ الضَّمَانِ، أَوْ لِلْمُوَكِّلِ. وَإِنْ حَنِثَ بِهِ أَيْ: لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَإِذَا فَرَضَ أَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى أَخْذٍ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>