عَنْهُ بَلْ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْإِبْرَاءِ فَأَشْبَهَ الْإِكْرَاهَ عَلَى قَتْلِ هَذَا، أَوْ هَذَا أَوْ طَلَاقِ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ.
وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَقَدْ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ مِنْ صَوْمِهِ، أَوْ أَطْلَقَ أَفْطَرَ بِدُخُولِ اللَّيْلِ بِالْغُرُوبِ وَلَا حِنْثَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْأَيْمَانِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ مُفْطِرًا مِنْ صَوْمٍ قَاصِدًا بِذَلِكَ الْوِصَالَ فَهُوَ آثِمٌ بِالْإِمْسَاكِ مِنْ الْغُرُوبِ فَإِذَا لَزِمَهُ الْحَاكِمُ بِتَنَاوُلِ مُفْطِرٍ بِعَيْنِهِ فَتَنَاوَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْ حِنْثِ الْمُكْرَهِ نَظِيرُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ فَأَفْلَسَ الْغَرِيمُ وَمَنَعَهُ الْحَاكِمُ مِنْ مُلَازَمَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْحَاكِمُ مُفْطِرًا، أَوْ عَيَّنَ لَهُ مُفْطِرًا فَتَنَاوَلَ غَيْرَهُ حَنِثَ لِقَرِينَةِ الِاخْتِيَارِ. اهـ.
وَمِنْهَا مَا فِي تَوَسُّطِ الْأَذْرَعِيِّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُعْطِيهِ مَالَهُ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ مُخْتَارًا فَيَحْنَثُ سَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ اخْتِيَارًا أَمْ غَيْرَ اخْتِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَطَاءِ دُونَ الْأَخْذِ وَقَدْ وُجِدَ الْعَطَاءُ فَوَقَعَ الْحِنْثُ ثَانِيهَا أَنْ يُعْطِيَهُ لِوَكِيلِهِ وَلَوْ بِأَمْرِهِ أَيْ: إنْ غَابَ عَنْهُ الْمُوَكِّلُ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْخُلْعِ ثَالِثُهَا أَنْ يُعْطِيَ وَكِيلُهُ دَائِنَهُ وَلَوْ بِأَمْرِهِ. رَابِعُهَا أَنْ يُعْطِيَهُ عِوَضًا عَنْهُ وَلَوْ بِحَوَالَةٍ. خَامِسُهَا أَنْ يَأْخُذَ السُّلْطَانُ مِنْ مَالِهِ جَبْرًا فَلَا يَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ. سَادِسُهَا أَنْ يُجْبِرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى دَفْعِهِ فَيُعْطِيهِ إيَّاهُ مُكْرَهًا فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ. اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْقَوْلَيْنِ الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ فِي وُجُود الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَأَظْهَرُهُمَا لَا حِنْثَ مَعَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ هُنَا بِحَقٍّ فَهُوَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى إيجَادِ الْمُعَلَّقِ يَمْنَعُ الْحِنْثَ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ.
وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يُؤَدِّي دَيْنَ فُلَانٍ الَّذِي عَلَيْهِ فَحَكَمَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ بِأَدَائِهِ فَأَدَّاهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَتَبِعَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ وَبَعْضُ مُعَاصِرِيهِ تَنْزِيلًا لِلْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ وَأَمَّا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ: إنَّهُ يَحْنَثُ هُنَا أَيْضًا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِهِ السَّابِقِ قَرِيبًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وَهْمِهِ مَا مَرَّ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ نَزْعِ الْخَيْطِ مِنْ أَنَّ إجْبَارَ الْحَاكِمِ عَلَى النَّزْعِ غَيْرُ مُفْطِرٍ كَالْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ وَمَا مَرَّ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا وَمُنِعَ عَنْ الْوَطْءِ لَمْ يَحْنَثْ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذَيْنِ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ فَإِنْ قُلْت ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مَسَائِلَ تَدُلُّ لِمَا مَرَّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ وَالْأَذْرَعِيِّ. وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ لَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الْمُنَجَّزِ قُلْت: لَا شَاهِدَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ ذِكْرِهَا وَالْجَوَابِ عَنْهَا.
مِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا مُغَلَّظَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَقُلْنَا بِوُجُوبِ التَّغْلِيظِ أَيْ: عَلَى الضَّعِيفِ حَلَفَ وَحَنِثَ فَلَمْ يَنْظُرُوا لِكَوْنِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالتَّغْلِيظِ كَالْإِكْرَاهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَا حَقِيقَةُ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْدُوحَةً عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِتَأْدِيَةِ الْمُدَّعَى بِهِ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ حِنْثُ الْيَمِينِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ وَحَلَفَ حَنِثَ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْإِكْرَاهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِانْتِفَاءِ الْإِكْرَاهِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ثُمَّ رَأَيْت مَا قَدَّمْته آنِفًا عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِمَا فِيهَا لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ فَمَنَعَ الْحِنْثُ.
وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ: لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُقَيَّدٌ فَحَلَفَ بِعِتْقِهِ أَنَّ فِي قَيْدِهِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَحَلَفَ بِعِتْقِهِ لَا يَحُلُّهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ فَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي عَدْلَانِ أَنَّ فِي قَيْدِهِ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ فَحَكَمَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ حَلَّ الْقَيْدَ فَوَجَدَهُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِحَلِّ الْقَيْدِ دُونَ الشَّهَادَةِ لِتَحَقُّقِ كَذِبِهِمَا. اهـ. فَالْحُكْمُ بِالْعِتْقِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِالْحَلِّ وَلَمْ يَنْظُرُوا لَهُ وَيُجَابُ بَعْدَ تَسْلِيمِ اعْتِمَادِ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَإِلَّا فَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الطَّلَاقِ مِنْ عَدَمِ حِنْثِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي يَقْتَضِي ضَعْفَهُ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ كَمَا بَيَّنْته فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِحَلِّ الْقَيْدِ بَعْدَ حُكْمِهِ بِالْعِتْقِ وَإِنَّمَا الْمُعَلَّقُ هُوَ الَّذِي حَلَّهُ مُخْتَارًا لِظَنِّهِ أَنَّهُ عَتَقَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ وَأَنَّ الْحَلَّ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ خَطَأُ ظَنِّهِ وَأَيْضًا فَكَلَامُنَا فِي حُكْمٍ صَحِيحٍ.
وَهَذَا حُكْمٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّ عِتْقَهُ إنَّمَا تَرَتَّبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute