عَلَى حَلِّهِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَقَ بِزِنَةِ الْقَيْدِ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِعِتْقِهِ بِهِ بَاطِلٌ فَوُجُوبُ الْحَلِّ الْمُرَتَّبِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ الْبَاطِلِ لَاغٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالْعِتْقِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِالْحَلِّ فَقَدْ بَانَ بُطْلَانُهُ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِالْإِكْرَاهِ حُكْمُ الْقَاضِي الصَّحِيحُ لَا غَيْرُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ تَعْلِيلًا لِلْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَبْحَثَ. وَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِيهِ لِيَتَّضِحَ لَك مُتَفَرِّقَاتُ كَلَامِهِمْ الْمُتَعَارِضَةُ الظَّوَاهِرِ فِي ذَلِكَ حَتَّى زَلَّتْ فِيهَا أَقْدَامُ الْأَكَابِرِ كَمَا عَلِمْت، بَلْ الشَّخْصُ نَفْسُهُ يَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ فِيهَا كَمَا مَرَّ لَك عَنْ الزَّرْكَشِيّ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يَسْتَحْضِرُ بَعْضَ الْفُرُوعِ الْمُقَرَّرَةِ فِيمَا سَبَقَ أَوَّلًا فَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ الْحِنْثَ كَالْإِكْرَاهِ بِبَاطِلٍ.
وَفِي بَعْضِهَا يَسْتَحْضِرُ بَعْضَ هَذِهِ الْفُرُوعِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ لَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ هُنَا كَهُوَ فِي الْمُنَجَّزِ فَإِذَا أَمْعَنْت النَّظَرَ وَأَنْعَمْته فِيمَا قَرَّرْته وَتَأَمَّلْته حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْفَرْقُ فِي الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ بَيْنَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ وَأَنَّ الْفُرُوعَ الْمُصَرِّحَةَ بِهِ كَثِيرَةٌ صَرِيحَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ الْفُرُوعِ الْمُوهِمَةِ لِخِلَافِهِ فَإِنَّهَا قَلِيلَةٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهَا قَدْ ظَهَرَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَلَا عُذْرَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا فِي خِلَافِ مَا قُلْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ وَحَرَّرْنَاهُ.
(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مُجَرَّدَ الْحُكْمِ مُلْحَقٌ بِالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ قَدَرَ الْحَاكِمُ عَلَى إكْرَاهِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ عَلَى فِعْلِ الْمَحْكُومِ بِهِ أَمْ لَا كَالظَّلَمَةِ الْمُتَمَرِّدِينَ وَأَمَّا ثَانِي الْإِشْكَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ الَّذِي هُوَ تَصْرِيحُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ حَنِثَ وَفِي الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا أَوْ مُحْرِمَةً بِنُسُكٍ لَمْ يَحْنَثْ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا فَيُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ فِي صُورَةِ لَا أُصَلِّي الْفَرْضَ وَمَا قِيسَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا أُفَارِقُك السَّابِقُ قَدْ وَجَّهَ الْحَلِفَ إلَى النَّفْيِ الْعَامِّ وَجَعَلَهُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَمِنْ الْمُفَارَقَةِ عِنْدَ إعْسَارِ الْغَرِيمِ فَحَيْثُ صَلَّى صَلَاةً صَحِيحَةً، أَوْ فَارَقَ غَرِيمَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَقَدْ خَالَفَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ صَرِيحًا فَحَنِثَ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ إنْ لَمْ أَطَأْكِ فَفِيهِ تَعْلِيقٌ عَلَى انْتِفَاءِ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِحَثِّ نَفْسِهِ عَلَيْهِ فَحَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ شَرْعًا لِحَيْضٍ وَنَحْوِهِ كَانَ كَتَعَذُّرِهِ حِسًّا فَلَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَطْءُ الْمُبَاحُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ لَازِمًا لِلتَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ.
فَعُلِمَ بِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته رَدُّ اعْتِرَاضِ الْمُزَنِيِّ السَّابِقِ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَعْصِيَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَتْ كَصُورَةِ لَأَطَؤُهَا اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا لِمَا تَقَرَّرَ بَلْ كَصُورَةِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ حَرْفًا بِحَرْفٍ؛ لِأَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَجَّهَ حَلِفَهُ إلَى إيقَاعِ الْمَعْصِيَةِ الْمُحَرَّمِ فَحَيْثُ خَالَفَهُ فَقَدْ خَالَفَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ صَرِيحًا فَحَنِثَ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ وَاجِبَةً فَتَأَمَّلْ هَذَا الْجَوَابَ لِتَفِرَّ بِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي وَرْطَةِ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَنَاقُضِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ التَّنَاقُضَ الصَّرِيحَ الَّذِي لَا تَأْوِيلَ لَهُ لَوْلَا مَا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَهُ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ الظَّاهِرِ لِلْمُتَأَمِّلِ.
ثُمَّ رَأَيْتنِي فَرَّقْتُ بِفَرْقٍ آخَرَ فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ وَعِبَارَته إذَا وُجِدَ الْقَوْلُ أَوْ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَاهِ أَوْ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ الْحِنْثِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ أَمْ بِالطَّلَاقِ. وَقَوْلُ الْقَفَّالِ: يَحْنَثُ فِي الطَّلَاقِ دُونَ الْيَمِينِ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ مَذْهَبَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ قَالَ حَلَفَ إلَّا لَمْ تَصُومِي غَدًا أَوْ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ فَحَاضَتْ لَمْ تَطْلُقْ كَأَنْ لَمْ تُصَلِّ الْيَوْمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ فَحَاضَتْ وَقْتَهُ وَلَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي إنْ لَمْ تُصَلِّي الْآنَ، فَحَاضَتْ طَلُقَتْ حَالًا ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَإِنْ قَالَ إلَّا لَمْ تَصُومِي يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ إلَّا لَمْ تُصَلِّي زَمَنَ الْحَيْضِ أَوْ إلَّا لَمْ تَبِيعِي الْخَمْرَ فَصَلَّتْ فِيهِ أَوْ صَامَتْ أَوْ بَاعَتْ الْخَمْرَ لَمْ تَطْلُقْ أَيْ: وَلَا نَظَرَ لِفَسَادِ ذَلِكَ وَحُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ حِلُّهُ وَلَا صِحَّتُهُ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: هَذَا مُشْكِلٌ، لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ.
وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَبَرُّ وَيَحْنَثُ بِالْقِرَاءَةِ جُنُبًا وَإِنْ لَمْ يَبَرَّ بِهِ عَنْ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ النَّذْرِ الْقُرْبَةُ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهَا بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا وُجُودُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ التَّذْكِيرِ وَالِاخْتِيَارِ. وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَا قَبْلَهَا فِي صُوَرِ الْحَيْضِ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute