ثَمَّ لَمَّا طَرَأَ بَعْدَ الْحَلِفِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِلِ الْحِسِّيِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَلَّقِ بِهِ فَلَمْ يَحْنَثْ بِتَرْكِهِ لَهُ لِعُذْرِهِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا عِنْدَ تَجَرُّدِ يَمِينِهِ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ قَاصِدٌ الْإِثْمَ وَمُخَالَفَةَ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يُعَدُّ مَنْعُ الشَّارِعِ لَهُ عُذْرًا فِي عَدَمِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَهُوَ أَعْنِي تَعَرُّضَهُ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَعْلِيقَهُ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ لَهُ وَلَوْ مَعَ الْإِكْرَاهِ لِتَعَرُّضِهِ فِي حَلِفِهِ لَهُ وَأَمَّا الْأَوَّلُ أَعْنِي الَّذِي قَدْ عَلَّقَ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ فَطَرَأَ عَلَيْهِ مَا أَوْجَبَ تَحْرِيمَهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُتَغَلِّبٌ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِعُذْرِهِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ الظَّاهِرَ أَيْضًا يَتَّضِحُ لَك بِهِ أَيْضًا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ وَأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ.
(التَّتِمَّةُ) فِي فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِالْإِكْرَاهِ مِنْهَا مَحَلُّ إلْغَاءِ فِعْلِ الْمُكْرَهِ وَقَوْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ وَأَتَى بِعَيْنِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ فِيهِ بِوَجْهٍ لِدَاعِيَةِ الْإِكْرَاهِ فَحَسْبُ كَمَا مَرَّ.
وَفِي مَجْمُوعِ الْمَحَامِلِيِّ الْإِكْرَاهُ يَرْفَعُ حُكْمَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْبَيْعِ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مَعَهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ أَرَادَ اللَّفْظَ فَقَطْ فَيَصِحُّ طَلَاقُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْإِيقَاعَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَيْ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ إرَادَةُ اللَّفْظِ فَقَطْ وَحَكَى الْأَصْحَابُ فِيمَا لَوْ قَصَدَ الْمُكْرَهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ قَوْلًا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ أَثَرَ اللَّفْظِ.
وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَا يُؤَثِّرُ وَالْأَصَحُّ الْوُقُوعُ إذْ لَا يَبْعُدُ اخْتِيَارُهُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَعَلَى هَذَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ إنْ نَوَى وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَمِنْهَا مَتَى حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَفَعَلَهُ نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ ذَاكِرًا لَهُ مُكْرَهًا عَلَى الْفِعْلِ أَوْ مُخْتَارًا جَاهِلًا بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لَا بِالْحُكْمِ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أَيْ: لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ كَضَمَانِ الْمُتْلَفِ فَالْفِعْلُ مَعَ ذَلِكَ كَلَا فِعْلٍ وَكَذَا لَا حِنْثَ إلَّا عَلَّقَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ الْمُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ بِأَنْ لَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ لِنَحْوِ صَدَاقَةٍ أَوْ حَيَاءٍ أَوْ مُرُوءَةٍ. وَقَصَدَ بِذَلِكَ مَنْعَهُ أَوْ حَثَّهُ وَعَلِمَ بِالتَّعْلِيقِ فَفَعَلَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا أَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهُ وَلَا حَثَّهُ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُبَالَى بِتَعْلِيقِهِ كَالسُّلْطَانِ وَالْحَجِيجِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَفَعَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَلَوْ مَعَ النِّسْيَانِ وَقَسِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَنْعٍ، أَوْ حَثٍّ نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا قَصَدَ مَعَ الْحَثِّ، أَوْ الْمَنْعِ فِيمَنْ يُبَالِي بِهِ أَعْلَامَهُ بِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا تَطْلُقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا فَفَعَلَهُ كَذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ بِدُخُولِ نَحْوِ بَهِيمَةٍ، أَوْ طِفْلٍ فَدَخَلَ غَيْرَ مُكْرَهٍ حَنِثَ، أَوْ مُكْرَهًا فَلَا. وَفَارَقَ مَا مَرَّ مِنْ الْوُقُوعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مَعَ الْإِكْرَاهِ بِأَنَّ فِعْلَ الْبَهِيمَةِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَيْهَا حَالَ الْإِكْرَاهِ فَكَأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا بِخِلَافِ فِعْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَلَوْ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِهِ وَأُلْحِقَ نَحْوُ الطِّفْلِ هُنَا بِالْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ شَبَهًا بِهَا مِنْهُ بِالْمُمَيَّزِ وَفِي الْحَلِفِ عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ بَيَّنْت حَاصِلَ الْمُعْتَمِدِ مِنْهُ فِي الْفَتَاوَى وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ مُطْلَقًا فَعَلَيْك بِهِ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ مُهِمٌّ.
وَلِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَطْرَافِهَا سَكَتَ كَثِيرُونَ عَنْ التَّرْجِيحِ فِيهَا وَامْتَنَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْإِفْتَاءِ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَاسْتِعْمَالُ التَّوَقِّي أَوْلَى مِنْ زَلَّاتِ الْأَقْدَامِ وَمَنْ يَحْتَاطُ فِي دِينِهِ لَا يُفْتِي فِي ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْكَذِبِ فِي دَعْوَى النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ مِنْ الْعَامَّةِ وَلَا سِيَّمَا النِّسَاءُ
وَمِنْهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ لَا أَدَعُك تُخْرِجُ هَذَا الْمَتَاعَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَإِنْ فَعَلْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَخَرَجَ الْحَالِفُ ثُمَّ ذَهَبَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالْمَتَاعِ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ حَفِظَهُ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ فَسَرَقَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، أَوْ أَكْرَهَهُ حَتَّى أَخَذَهُ مِنْهُ فَعَلَى قَوْلِ الْإِكْرَاهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ عَنْهُ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ بِحَيْثُ يَصِيرُ ضَامِنًا فِي الْوَدِيعَةِ بِهِ حَنِثَ فِي الطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِسَاكِنِهِ فِي الدَّارِ فَإِنْ حَفِظَهُ عَنْهُ حِفْظًا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ فَكَالْمُكْرَهِ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ.
وَمِنْهَا أَخَذَتْ لِزَوْجِهَا دِينَارًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute