فَقَالَ إلَّا لَمْ تُعْطِنِي الدِّينَارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَتْ قَدْ أَنْفَقَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِالْيَأْسِ مِنْ إعْطَائِهَا لَهُ بِالْمَوْتِ، فَإِنْ تَلِفَ الدِّينَارُ قَبْلَ تَمَكُّنِهَا مِنْ رَدِّهِ إلَيْهِ فَهِيَ كَالْمُكْرَهِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا تَطْلُقُ، أَوْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ طَلُقَتْ.
وَمِنْهَا لَوْ قَالَ اللُّصُوصُ لَا نُخَلِّيك حَتَّى تَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ إنَّك لَا تُخْبِرُ بِنَا فَحَلَفَ كَذَلِكَ كَانَ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّهُمْ أَكْرَهُوهُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْحَلِفُ الْمَذْكُورُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فَإِذَا خَبَّرَ بِهِمْ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي إلْغَاءِ فِعْلِ الْمُكْرَهِ بِبَاطِلٍ وَقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَأَلَهُ ظَالِمٌ عَنْ مَالِهِ أَوْ إنْسَانٍ مَثَلًا أَنَّهُ يَعْرِفُ مَحَلَّهُ فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَهُ بِهِ فَحَمَلَهُ وَأَكْرَهَهُ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُكْرَهٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْحَلِفِ بِخُصُوصِهِ بَلْ لَا غَرَضَ لِمُكْرِهِهِ فِي حَلِفِهِ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ فِي أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَا هُوَ سَائِلٌ عَنْهُ فَإِذَا تَرَكَ دَلَالَتَهُ وَحَلَفَ كَانَ مُخْتَارًا لِلْحَلِفِ فَيَحْنَثُ كَمَا لَوْ قَالَ مُتَغَلِّبٌ لِآخَرَ اُقْتُلْ هَذَا أَوْ هَذَا أَوْ طَلِّقْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ إكْرَاهٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْيِيرِ وَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحَلِفِ وَالدَّلَالَةِ فَإِذَا آثَرَ الْحَلِفَ كَانَ مُخْتَارًا لَهُ فَيَحْنَثُ بِهِ وَيُقَاسُ بِمَا تَقَرَّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُهَا.
وَمِنْهَا لَوْ قَالَ طَلَّقْتُ مُكْرَهًا فَأَنْكَرَتْ زَوْجَتُهُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ كَالْحَبْسِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا كَمَا لَوْ طَلَّقَ مَرِيضٌ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إنْ عُهِدَ لَهُ إغْمَاءٌ قَبْلَ ذَلِكَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا.
وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ ابْنِ الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ نَائِمٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّائِمِ نَظَرٌ. اهـ.
أَيْ: لِأَنَّهُ لَا أَمَارَةَ عَلَى النَّوْمِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَلَكِنْ لَا مُخَالَفَةَ فِي دَعْوَى النَّوْمِ لِلظَّاهِرِ فَمِنْ ثَمَّ كَانَ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ نَوْعُ اتِّجَاهٍ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمَا فِي الْأَيْمَانِ لَا يُصَدَّقُ مُدَّعِي عَدَمِ قَصْدِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، ظَاهِرُ التَّعَلُّقِ حَقُّ الْغَيْرِ بِهِمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَاكَ تَلَفَّظَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ ثُمَّ ادَّعَى صَرْفَهُ بِعَدَمِ الْقَصْدِ وَأَمَّا هُنَا فَالْمُدَّعَى طَلَاقٌ مُقَيَّدٌ بِحَالَةٍ لَا يَصِحُّ فِيهَا الطَّلَاقُ فَقُبِلَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ. هَذَا آخِرُ مَا قَصَدْتُهُ وَتَمَامُ مَا حَرَّرْتُهُ مِمَّا آمُلُ أَنْ أَكُونَ فِيهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَسَنَنٍ قَوِيمٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، فَمَنْ اجْتَهَدَ وَأَصَابَ فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ وَمَنْ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَسْأَلُ أَنْ يُسْبِلَ عَلَيَّ ذَيْلَ السِّتْرِ وَأَنْ يَمُنَّ بِإِصَابَةٍ صَوْبَ الصَّوَابِ إنَّهُ الْكَرِيمُ الْغَنِيُّ الْوَهَّابُ فَلَهُ الْحَمْدُ أَوَّلًا وَآخِرًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِ كَرَمِهِ وَامْتِنَانِهِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَإِلَيْهِ أَفْزَعُ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. يَقُولُ مُؤَلِّفُهُ عَفَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ فَرَغْتُ مِنْ تَسْوِيدِهِ عَشِيَّةَ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا وَشَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْعُمْدَةُ الْحَبْرُ الْبَحْرُ الْفَهَّامَةُ جَامِعُ أَشْتَاتِ الْفَضَائِلِ بَقِيَّةُ الْأَمَاثِلِ وَالْأَفَاضِلِ الْحُجَّةُ فِي زَمَانِهِ وَالْقُدْوَةُ فِي عَصْرِهِ وَأَوَانِهِ مُفْتَى الْحِجَازِ وَشَيْخُ الْحَرَمَيْنِ أَدَامَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفْعًا لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ، لَا زَالَتْ كُتُبُ الْعُلَمَاءِ بِتَقْرِيرِهِ فِي الدُّرُوسِ وَاضِحَةَ الْبَيَانِ، وَمَسَائِلُ الْفُقَهَاءِ بِتَأْيِيدِهِ فِي الطُّرُوسِ ظَاهِرَةً وَاضِحَةَ التِّبْيَانِ حَتَّى يَخْرِقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَادَةَ بِطُولِ مُدَّتِهِ فِي عَافِيَةٍ وَيَنْفَعَ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ بِعُلُومِهِ الْكَمَالِيَّةِ الْكَافِيَةِ - آمِينَ
بَعْدَ مَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الدَّوْرِ فِي الطَّلَاقِ فَأَجَابَ جَوَابًا شَافِيًا كَانَ لِكُلِّ مِنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا كَافِيًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَنْجُو بِهَا مِنْ قَبِيحِ الْعَمَلِ الَّذِي لَا يُحِبُّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا يَرْضَاهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إمَامُ الْعَالَمِينَ فِي وَرَعِهِ وَتَقْوَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ لَمْ تَأْخُذْهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ. وَلَمْ يَخْشَوْا سِوَاهُ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِ رُبُوبِيَّتِهِ وَعُلَاهُ آمِينَ (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute