للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْعَادَةَ الْمُتَكَرِّرَةَ يُرْجَعُ إلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَلَا نَظَرَ لِمَا وَقَعَ فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ مَا وَقَعَ مُتَكَرِّرًا فِيمَا قَبْلَ شَهْرِهَا مَعَ ضَعْفِ الطُّهْرِ الَّذِي فِي شَهْرِهَا بِمَجِيءِ الدَّمِ قَبْلَ إمْكَانِهِ وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ إلَخْ فَمَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَتَكَرَّرْ عَادَتُهَا كَأَنْ رَأَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً أَوَّلَهُ وَطَهُرَتْ بَاقِيَهُ، ثُمَّ فِي الَّذِي يَلِيه رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ وَكَأَنْ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَطَهُرَتْ عِشْرِينَ، ثُمَّ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ، ثُمَّ طَهُرَتْ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فَهَذِهِ هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ يُكْمِلُ الطُّهْرَ بِيَوْمٍ مِنْ هَذَا الدَّمِ، ثُمَّ يَجْعَلُ خَمْسَةً حَيْضًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ فِيهِ عَمَلًا بِعَادَتِهَا الثَّابِتَةِ فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَإِعْرَاضًا عَنْ عَادَتِهَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَتَكْمِيلُ الطُّهْرِ بِيَوْمٍ لِضَرُورَةِ الْإِمْكَانِ لَا يُنَافِي جَعْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا لَهَا وَأَنَّهَا هِيَ عَادَتُهَا الَّتِي تَرْجِعُ إلَيْهَا دُونَ عَادَتِهَا السَّابِقَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَادَةَ الَّتِي تَلِيهَا الِاسْتِحَاضَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتْ الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ فَيَقُولُ إنَّهَا تَرْجِعُ لِدَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَتْ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهَا وَيُوَجَّهُ هَذَا أَيْضًا بِأَنَّ مَنْ لَمْ يُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ لَا يُعَوِّلُ عَلَى مَا فِي هَذَا الشَّهْرِ بَلْ إمَّا يَنْظُرُ لِعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ فَيُجْرِيهَا عَلَيْهَا فِيمَا بَعْدَ هَذَا الشَّهْرِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي وَالرَّابِعُ، أَوْ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ الثَّالِثُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الثَّانِي وَالرَّابِعُ فِيهِ لِأَنَّ الثَّانِي نَظَرَ لِإِمْكَانِ جَعْلِ الْعَائِدِ حَيْضًا فَجَعَلَ مِنْهُ بَعْدَ الْيَوْمِ الْمُكَمِّلِ لِلطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضًا وَخَمْسَةً طُهْرًا تَمَامَ الشَّهْرِ، ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَالرَّابِعُ أَعْرَضَ عَمَّا فِيهِ فَجَعَلَهُ اسْتِحَاضَةً مُحَافَظَةً عَلَى حِكَايَةِ دَوْرِهَا الْقَدِيمِ.

بِاسْتِفْتَاحِهِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَإِنْ قُلْت الْفَرْضُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَكَيْفُ تَرْجِعُ إلَيْهِ هَذِهِ الْأَوْجُهُ؟ قُلْت قَدْ يُقَالُ إنَّمَا رَجَعَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ قَوِيٌّ بِمُوَافَقَتِهِ لِلْإِمْكَانِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ مُخَالَفَةَ مَا فِيهِ لِلْإِمْكَانِ أَضْعَفَتْهُ فَلَمْ يُعْمَلْ بِمَا فِيهِ بَلْ بِمَا قَبْلَهُ لِقُوَّتِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت فَلِمَ قَطَعُوا بِبَقَائِهَا عَلَى عَادَتِهَا فِيمَا إذَا رَأَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ عَشَرَةً مَثَلًا كَمَا مَرَّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ قُلْت يَتَعَيَّنُ فَرْضُ صُورَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ هَذِهِ فِيمَا إذَا تَكَرَّرَتْ عَادَتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ كَمَا فَرَضْنَا الْآخَرِينَ كَذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ فَيُوَجَّهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ بِأَنَّ طُهْرَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ قَوِيٌّ فِيهَا بِكَوْنِ الدَّمِ لَمْ يَأْتِ إلَّا بَعْدَ إمْكَانِهِ فَسَاغَ لِلْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنْ يُجْعَلَ الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ هَذَا الدَّمِ حَيْضًا فَيَصِيرُ دَوْرُهَا عِشْرِينَ لِتَنْتَقِلَ عَادَتُهَا تَنَقُّلًا صَحِيحًا وَمَعَ التَّنَقُّلِ الصَّحِيحِ لَا نَظَرَ لِتَكَرُّرِ الْعَادَةِ السَّابِقَةِ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهَا وَأَمَّا الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فَيَنْظُرُ إلَى أَنَّ هَذَا التَّنَقُّلَ ضَعُفَ بِاسْتِمْرَارِ الدَّمِ الْجَائِيِّ قَبْلَ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ فَرَجَعَ بِهَا إلَى عَادَتِهَا الْمُسْتَقِرَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقْوَى وَأَمَّا الصُّورَتَانِ الْأُخْرَيَانِ أَعْنِي صُورَةَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَالْعَشَرَةِ الْمَقْطُوعَ فِيهِمَا بِبَقَائِهِمَا عَلَى عَادَتِهَا الْمُسْتَقِرَّةِ. قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَمْ يَجْرِ فِيهِمَا الْخِلَافُ لِضَعْفِ طُهْرِ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ بِكَوْنِ الدَّمِ جَاءَ قَبْلَ إمْكَانِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يُعَارِضْ الْعَادَةَ الْمُتَكَرِّرَةَ قَبْلَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ إلَّا ضَعِيفٌ فَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَقَالُوا كُلُّهُمْ بِالرُّجُوعِ لِتِلْكَ الْعَادَةِ الْقَوِيَّةِ الْمُتَكَرِّرَةِ فَإِنْ قُلْت فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ رُؤْيَتِهَا مِنْ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ وَاسْتَمَرَّ حَيْثُ جُعِلَتْ حَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ وَرُؤْيَتُهَا مِنْ بَعْدِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ حَيْثُ أُلْغِيَ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ مَعَ أَنَّ الْفَاصِلَ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ طُهْرٌ صَحِيحٌ إذْ هُوَ عِشْرُونَ فِي الْأُولَى وَخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الثَّانِيَةِ.

قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّنَقُّلَ الْقَرِيبَ يُغْتَفَرُ فِيهِ لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي التَّنَقُّلِ الْبَعِيدِ لِنُدْرَتِهِ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ نَادِرَ الْوُقُوعِ يُلْحَقُ بِكَثِيرِهِ، أَوْ غَالِبِهِ بِخِلَافِ كَثِيرِهِ لَا يُلْحَقُ بِشَيْءٍ بَلْ يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَعَوْدُ الدَّمِ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيدٌ مِنْ أَوَّلِ الْعَادَةِ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَبَيْنَهُمَا فَاصِلٌ وَهُوَ الْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ فَلَمْ يُجْعَلْ حَيْضًا مُسْتَقِلًّا بَلْ أَلْغَوْهُ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِضَعْفِهِ بِنُدْرَتِهِ فَلَمْ يَقْوَ عَلَى تَقَدُّمِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ وَأَمَّا عَوْدُهُ مِنْ أَوَّلِ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ أَوَّلِ الْعَادَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهِ فَجُعِلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>