عَلَى تَفْسِيرِ الْوَكْزِ بِالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ وَلَمْ نَجِدْ تَفْسِيرَهُ بِالدَّفْعِ فِيمَا يَقَعُ بِهِ حِنْثُ الْحَالِفِ عَلَى الضَّرْبِ إلَّا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا.
وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الضَّرْبِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدَّفْعِ إذَا سَلَّمْنَا وُقُوعَ الْحِنْثِ بِهِ فِي الصَّدْمِ الْمُعْتَبَرِ فِي حَقِيقَةِ الضَّرْبِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَوْ دَفَعَ الشَّخْصُ إنْسَانًا فَأَمَالَهُ وَلَمْ يَصْدِمْ شَيْئًا صَحَّ أَنْ يُقَالَ وَكَزَهُ وَلَا يَقَعُ بِهِ حِنْثٌ أَصْلًا فَظَهَرَ أَنَّ الْوَكْزَ بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُرَادٍ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ. اهـ. كَلَامُهُ فَهَلْ تُوَافِقُونَهُ عَلَى جَمِيعِهِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ تُخَالِفُونَهُ فَمَا سَنَدُ الْمُخَالَفَةِ حَقِّقُوا ذَلِكَ وَابْسُطُوا لَنَا الْقَوْلَ فِيهِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ وَاقِعَةٌ حَالًا وَالسَّائِلُ يَنْتَظِرُ الْجَوَابَ فِيهَا أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ عُرِضَتْ عَلَيَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَنَا مَشْغُولٌ بِبَعْضِ الْمُهِمَّاتِ فَتَوَقَّفْتُ فِيهَا وَلَمْ أَجْزِمْ فِيهَا بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ مَيْلِي إلَى الْحِنْثِ إذَا أَصَابَهَا الْمَحْذُوفُ بِهِ إصَابَةً لَهَا وَقْعٌ مَعَ إيلَامٍ أَوْ عَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى التَّنَاقُضِ الشَّهِيرِ فِي التَّعْلِيقِ بِالضَّرْبِ ثُمَّ تَجَاذَبْت الْبَحْثَ فِيهَا مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ فَلَمْ يَمِيلُوا إلَّا إلَى عَدَمِ الْحِنْثِ لِنَحْوِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ وَلَمْ يَنْقَدِحْ عِنْدِي غَيْرُ الْحِنْثِ وَاسْتَمَرَّيْت عَلَى ذَلِكَ مَعَ التَّرَدُّدِ فِيهِ أَيَّامًا إلَى أَنْ رَأَيْت مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَاللُّغَوِيِّينَ مَا اقْتَضَى الْجَزْمَ بِالْحِنْثِ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِأُمُورٍ وَقَبْلَهَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مُقَدِّمَةٍ هِيَ أَنَّ الْأَصْحَابَ إلَّا الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ يُقَدِّمُونَ الْوَضْعَ اللُّغَوِيَّ عَلَى الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ وَفِي ذَلِكَ كَلَامٌ وَتَقْيِيدَاتٌ مَبْسُوطَةٌ فِي مَحَلِّهَا وَقَدْ بَيَّنْت حَاصِلَهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُشَكُّ أَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ الْعَرَبِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِكَلَامِهِمْ وَتَثْبُتُ اللُّغَةُ بِقَوْلِهِ وَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَرْتَبَتِهِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ سَمَّى الْحَذْفَ ضَرْبًا فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ رَجْمِ مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ مَا لَفْظُهُ فَأُخْرِجَ إلَى الْحَرَّة فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ فَرَّ يَشْتَدُّ حَتَّى مَرَّ بِرَجُلٍ مَعَهُ لِحَيِّ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ بِهِ وَضَرَبَهُ النَّاسُ حَتَّى مَاتَ وَاَلَّذِي وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَمِنْ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ الرَّجْمُ كَمَا صَحَّ عَنْ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَلَفْظُهُ فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ فَهَذَا جَابِرٌ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُمْ بَعْد الْإِدْرَاكِ هُوَ الرَّجْمُ الْمُوَافِقُ لِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَمَّى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ذَلِكَ الرَّجْمَ ضَرْبًا فَهُوَ صَرِيحٌ أَيْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ الْحَذْفُ يُسَمَّى ضَرْبًا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَضَرَبَهُ بِهِ وَضَرَبَهُ النَّاسُ فَإِنْ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّ الصَّادِرَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ إنَّمَا هُوَ الضَّرْبُ وَأَنَّ جَابِرًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هُوَ الَّذِي تَجَوَّزَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالرَّجْمِ مَجَازًا وَأَنَّ بَعْضَهُمْ ضَرَبَهُ وَبَعْضَهُمْ رَجَمَهُ قُلْت كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ حُجَّةٌ لَنَا عَلَى التَّقْرِيرِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ الرَّجْمُ فَانْتِقَالُهُمْ جَمِيعُهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ عَنْهُ إلَى الضَّرْبِ تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ الرَّجْمَ يَصْدُقُ عَلَى الضَّرْبِ وَإِلَّا لَمْ يَفْهَمُوهُ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِ لَا يُعْدَلُ إلَيْهِ لِاسْتِدْعَائِهِ إلَى قَرِينَةٍ تَصْرِفُهُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَلَا قَرِينَةَ هُنَا فَوَجَبَ إبْقَاءُ كُلٍّ مِنْ لَفْظِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَلَى حَقِيقَتِهِمَا وَظَهَرَ بِذَلِكَ ظُهُورًا لَا يَشُكُّ فِيهِ مُنْصِفٌ أَنَّ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ الْحَذْفُ يُسَمَّى ضَرْبًا وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَذْفَ يُسَمَّى ضَرْبًا لُغَةً كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الَّذِي هُوَ مِنْ أَجِلَّاءِ أَهْلِ اللِّسَانِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِمْ فِيهِ فَلْيَحْنَثْ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى عَدَمِ الضَّرْبِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُسَمَّى ضَرْبًا وَحِينَئِذٍ انْدَفَعَ مَا فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّفْعِ غَيْرُ حَقِيقَةِ الضَّرْبِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللُّغَوِيِّينَ
وَانْدَفَعَ تَفْسِيرُ الضَّرْبِ بِأَنَّهُ صَدْمُ الْمَضْرُوبِ بِالْآلَةِ مَعَ اتِّصَالِهَا بِالضَّارِبِ وَالْمَضْرُوبِ وَكَيْفَ يَتَأَتَّى هَذَا التَّفْسِيرُ مَعَ تَسْمِيَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِلرَّجْمِ بِالضَّرْبِ كَمَا عَلِمْت عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فِي تَفْسِيرِ الضَّرْبِ يَدْفَعُ ذَلِكَ أَيْضًا فَلْيَكُنْ مِنْك عَلَى ذِكْرٍ الثَّانِي أَنَّ الْأَصْمَعِيَّ مِنْ أَكَابِرِ اللِّسَانِ أَيْضًا فَسَّرَ الْوَكْزَ الَّذِي هُوَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الضَّرْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا بِالدَّفْعِ بِالْيَدِ لَا بِغَيْرِهَا وَتَبِعَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ كَصَاحِبِ الصِّحَاحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute