للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَغَيْرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّفْعَ يَصْدُقُ بِدَفْعِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَدَفْعِ الْآلَةِ إلَيْهِ وَإِنْ انْفَصَلَتْ عَنْ الدَّافِعِ وَهَذَا هُوَ الْحَذْفُ وَإِذَا صَدَقَ الْوَكْزُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرْب بِالْحَذْفِ صَدَقَ بِهِ الضَّرْبُ وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ لِلْوَكْزِ بِأَنَّهُ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ فَهُوَ تَفْسِيرٌ قَاصِرٌ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي ذَلِكَ عَلَى تَفْسِيرِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ عَنْهُمْ تَفْسِيرُهُ بِالدَّفْعِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَهَذَا مَلْحَظُ شَيْخِنَا خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالدَّفْعِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَإِعْرَاضُهُ عَمَّا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّقْيِيدِ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته انْدَفَعَ مَا فِي السُّؤَالِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مِنْ التَّنْظِيرِ فِي كَلَامِ شَيْخِنَا وَكَيْفَ يُنْظَرُ فِيهِ مَعَ تَصْرِيحِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَتَصْرِيحِ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ بِأَنَّ الْوَضْعَ اللُّغَوِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ وَبِأَنَّ الْوَكْزَ ضَرْبٌ وَإِذَا وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي الْوَكْزِ رَجَعَ فِيهِ لِأَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالْمُقَرَّرُ عِنْدَهُمْ كَمَا عَرَفْت أَنَّهُ يَشْمَلُ الدَّفْعَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِيَدٍ وَلَا بِغَيْرِهَا فَاتَّضَحَ كَلَامُ الشَّيْخِ وَأَنَّهُ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَا نَظَرَ فِيهِ بِوَجْهٍ وَأَنَّهُ عَيْنُ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَمْ نَجِدْ تَفْسِيرَهُ بِالدَّفْعِ إلَخْ هُوَ الَّذِي فِيهِ النَّظَرُ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْهُ

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدَّفْعِ إلَخْ فَهُوَ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لَا يُرَدُّ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى الشَّيْخِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ أَخَذَهُ الْفُقَهَاءُ بِنَاءً عَلَى اعْتِمَادِهِ مِنْ قَرِينَةِ الْمَقَامِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى الضَّرْبِ الْإِيذَاءُ وَمِنْ ثَمَّ اشْتَرَطَ الشَّيْخَانِ فِي مَوْضِعٍ كَوْنُهُ مُؤْلِمًا مَعَ أَنَّ الْإِيلَامَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَةِ الضَّرْبِ اللُّغَوِيِّ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْإِيلَامَ قَالَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَوْعِ إيذَاءٍ حَتَّى لَا يَكْفِي ضَرْبُهُ بِأُصْبُعِهِ اتِّفَاقًا فَاشْتِرَاطُهُمْ لِهَذَا الْأَمْرِ الزَّائِدِ عَلَى الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ أَخَذُوهُ مِنْ قَرِينَةِ الْمَقَامِ الدَّالِّ عَلَيْهَا الْحَلِفُ عَلَى الضَّرْبِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ الصَّدْمَ فِي الدَّفْعِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَوْعُ إزْعَاجٍ لِلْمَدْفُوعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إيلَامٌ عُرْفًا سَوَاءٌ أَصَدَمَ شَيْئًا أَمْ لَا هَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَتَصَرُّفَاتُهُمْ فَتَأَمَّلْهُ وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الصِّحَاحِ فَسَّرَ الْحَذْفَ بِالضَّرْبِ فِي بَعْضِ الْمَوَادِّ نَحْوَ حَذَفَ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَسَّرَهُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْقَطْعِ لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَهُ عَلَى الضَّرْبِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهُ فَضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رَقَبَتَهُ حَنِثَ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ الثَّالِثُ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا عَنْ الْإِمَامِ بَعْدَ كَلَامٍ سَاقَاهُ عَنْهُ وَكَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الضَّرْبِ الصَّدْمَ بِمَا يُؤْلِمُ أَوْ يُتَوَقَّعَ مِنْهُ إيلَامٌ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ فَقَالَ وَلَا يَكْفِي إيلَامٌ وَحْدَهُ بِأَنْ وَضَعَ عَلَيْهِ حَجَرًا ثَقِيلًا وَلَا الصَّدْمُ وَحْدَهُ كَبِأُنْمُلَةٍ فَالْمُعْتَبَرُ الصَّدْمُ بِمَا يُؤْلِمُ أَوْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ إيلَامٌ. اهـ.

وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إيلَامٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ الْأَكْثَرُونَ وَاكْتَفَوْا بِالصَّدْمَةِ الَّتِي يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الْإِيلَامُ انْتَهَتْ وَهَذَا كَمَا تَرَى ظَاهِرٌ فِي شُمُولِ الضَّرْبِ لِلرَّمْيِ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَدْمٌ بِمَا يُؤْلِمُ أَوْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ إيلَامٌ وَحِينَئِذٍ وَافَقَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ كَلَامَ اللُّغَوِيِّينَ فِي صِدْقِ اسْمِ الضَّرْبِ بِالرَّمْيِ وَالْحَذْفِ فَلَمْ يَبْقَ عُذْرٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّ الرَّمْيَ لَا يُسَمَّى ضَرْبًا الرَّابِعُ أَنَّ أَئِمَّتَنَا صَرَّحُوا بِاتِّحَادِ الضَّرْبِ وَالْحَذْفِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ ثَيِّبًا دَخَلَ الْجَلْدُ فِي الرَّجْمِ لِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا أَيْ مِنْ حَيْثُ إطْلَاقُ اسْمِ الضَّرْبِ عَلَيْهِمَا لَا الْحَدَّ وَإِلَّا لَدَخَلَ الْجَلْدُ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُمْ بِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا مَا قُلْنَاهُ مِنْ شُمُولِ اسْمِ الضَّرْبِ لَهُمَا وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ وَأَمَّا مَا تُوُهِّمَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَمَّى زِنًا فَهُوَ خَيَالٌ بَاطِلٌ إذْ الزِّنَا سَبَبٌ لَا جِنْسٌ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّحَادِ السَّبَبِ اتِّحَادُ الْمُسَبِّبِ وَلَا تَعَدُّدِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ مَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ مُسَمَّاهُ كَمَا هُوَ شَأْنُ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ وَالْأَنْوَاعِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الضَّرْبُ لَا غَيْرُ لَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْإِيذَاءُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَا يُجْزِئُ فِي الْحَدِّ فَلَمْ يَتَّضِحْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَتَأَمَّلْهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَذَا أَيْضًا نَصٌّ فِي الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْحَذْفِ وَيُوَافِقهُ قَوْلُ بَعْضِ الشَّارِحِينَ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ إجْزَاءِ مَرَّةٍ بِعِثْكَالٍ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ ضَرْبَةً لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى ضَرْبَةً وَاحِدَةً بِدَلِيلِ مَا لَوْ رَمَى فِي الْجِمَارِ السَّبْعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يُسَمَّى رَمْيَةً وَاحِدَةً. اهـ.

فَاسْتِدْلَالُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>