قَرَّرْته يُعْلَمُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فِيهَا وَعَلَى مِنْ قَيَّدَ الصِّحَّةَ فِيهَا بِتِلْكَ الشُّرُوطِ وَيُعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ الْوَجْهَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمُصَرِّحِ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّنْ نَذَرَ لِعَمْرٍو بِمَالٍ وَمُرَادُهُ إلَّا لَمْ يَبِعْ بَكْرٌ دَارِهِ مِنْ عَمْرٍو وَمُرَادُهُ أَنَّ بَكْرًا لَا يَتْرُكُ الْبَيْعَ بَلْ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ مَا حُكْمُ النَّذْرِ وَعَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ تَعْلَمُ كَذَا وَكَذَا إنَّ مَعَك حَوْلًا ضَيْعَةً نَفِيسَةً فَقَالَ كَالْمَازِحِ هِيَ نَذْرٌ عَلَيْك مَا الْحُكْمُ وَإِذَا قَالَ أَرَدْت غَيْرَهَا مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ لِعَمْرٍو فِي صُورَتِهِ الْمَذْكُورَةِ يَحْتَمِلُ اللَّجَاجَ وَالتَّبَرُّرَ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يَرْغَبُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ شِفَاءُ الْمَرِيضِ مَثَلًا بِالْتِزَامِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ الْمُسَمَّاةُ وَفِي نَذْرِ اللَّجَاجِ يَرْغَبُ عَنْ السَّبَبِ لِكَرَاهَتِهِ الْمُلْتَزَمَ فَعَدَمُ بَيْعِ بِكْرٍ دَارِهِ مِنْ عَمْرٍو وَإِنْ أَحَبَّهُ النَّاذِرُ وَرَغِبَ فِيهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ لَهُ فِيهِ كَانَ النَّذْرُ تَبَرُّرًا فَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ لِعَمْرٍو وَإِنْ كَرِهَهُ النَّاذِرُ أَوْ لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ كَانَ نَذْرَ لَجَاجٍ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ عَمْرًا مَا الْتَزَمَهُ لَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِقَوْلِهِ هِيَ نَذْرٌ عَلَيْك وَإِنْ كَانَ مَازِحًا عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ تَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَهُوَ صَحِيحٌ مَعَ الْمَزْحِ أَيْضًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت غَيْرَهَا لِأَنَّ كَلَامَهُ صَرِيحٌ فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَنَذَرَ عَلَى آخَرَ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ مَا الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ أَوْ الْوَاقِفُ هُوَ الضَّامِنُ هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَصِيلِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ وَلَيْسَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْهَا فَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ ذَلِكَ النَّذْرُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ قَيَّدَا لُزُومَ التَّصَدُّقِ بِكُلِّ الْمَالِ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ لَوْ نَذَرَ مَالَهُ لِسَبِيلِ اللَّهِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّهِ عَلَى الْغُزَاةِ.
فَقَالَا وَمَحَلُّ لُزُومِ التَّصَدُّقِ بِكُلِّ مَالِهِ فِيمَا تَقَرَّرَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً أَوْ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى صَرْفِهِ لَهُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِذَلِكَ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ لَهُ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِذَلِكَ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ انْعِقَادُ النَّذْرِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَرْجُ الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ لِدَيْنِهِ كَانَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْوَفَاءِ بِهِ مُتَعَيِّنًا لِلْوَفَاءِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّذْرُ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَدَمِ انْعِقَادِ النَّذْرِ هُنَا وَانْعِقَادِهِ لِبَعْضِ الْأَوْلَادِ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ هُنَا مُتَعَيِّنُ الصَّرْفِ إلَى الدَّيْنِ أَوْ الْعِيَالِ أَوْ النَّفْسِ إذَا لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْإِضَافَةِ وَحَيْثُ تَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِذَلِكَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّذْرُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْقُرْبَةَ الذَّاتِيَّةَ.
وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهَا حُرْمَةٌ أَوْ كَرَاهَةٌ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ لَيْسَ قُرْبَةً مُطْلَقًا لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِأَمْرٍ عَارِضٍ وَأَمَّا إعْطَاءُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ فَهُوَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الصَّدَقَةِ الْمَنْدُوبَةِ وَالْكَرَاهَةُ فِيهِ إنَّمَا هِيَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَلَمْ يَمْنَعْ انْعِقَادَ النَّذْرِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِأَمْرٍ خَارِجَ قَوْلِهِمْ لَا يُكْرَهُ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ لِنَحْوِ فَقْرٍ أَوْ عِلْمٍ وَأَمَّا الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ فَالْحُرْمَةُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُ عَنْهُ فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ زَوَالُ الْحُرْمَةِ بِرِضَا الدَّائِنِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ قُلْت إذَا وُجِدَ رِضَاهُ خَرَجَتْ الْمَسْأَلَةُ عَنْ فَرْضِهَا الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى صَرْفِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي الدَّيْنِ وَمَعَ الرِّضَا لَا احْتِيَاجَ فَلَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَعْدَ أَنْ تَقَرَّرَ لَك ذَلِكَ فِي النَّذْرِ وَاتَّضَحَ فَلَا يَخْفَى عَلَيْك إلْحَاقُ الْوَقْفِ بِالنَّذْرِ إذْ هُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا قُرْبَةٌ وَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ فِي مَكْرُوهٍ وَلَا مَحْرَمٍ فَلَوْ كَانَ لِمَدِينٍ أَرْضٌ مُتَعَيِّنَةُ الصَّرْفِ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ الَّذِي لَا يَرْجُو لَهُ الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ غَيْرِهَا فَوَقَفَهَا لَمْ يَنْعَقِدْ وَقْفُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ الْأَصْبَحِيَّ أَطْلَقَ فِي فَتَاوِيهِ صِحَّةَ وَقْفِ الْمَدْيُونِ فِي صِحَّتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْته بِأَنْ يَكُونَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْهَا فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ وَقْفُهُ وَإِنْ كَانَ مَدِينًا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الضَّمَانِ أَنَّ الدَّيْنَ الْمَضْمُونَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ كَمَا أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ إذْ حَقِيقَةُ الضَّمَانِ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَإِذَا ثَبَتَ لُزُومُ الدَّيْنِ لَزِمَتْهُ فَيَكُونُ نَذْرُهُ وَوَقْفُهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ الضَّامِنِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ نَذْرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute