للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَيَتَّحِدَانِ مِنْ حَيْثِيَّةِ انْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ إنَّمَا هُوَ اشْتِرَاطُ انْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ مِنْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لَا اشْتِرَاطُ كَوْنه قُرْبَةً فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِالسَّهْوِ هُوَ السَّهْوُ لِمَا تَقَرَّرَ فَاسْتَفِدْهُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَاعْتَمَدْت أَيْضًا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فَإِنِّي لَمَّا نَقَلْتُهُ عَنْهُ فِيهِ وَقُلْتُ وَجْهُ جَعْلِ الْغَزَالِيِّ هَذَا مِنْ الْمُبَاحِ مَعَ أَنَّ الْهِبَةَ قُرْبَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً إلَّا أَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَاصِّ أَعْنِي تَعْلِيقَهَا وَجَعْلَهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَتْ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمَةً فَكَانَتْ مُبَاحَةً وَالْمُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ لَا يَكُونُ إلَّا قُرْبَةً كَمَا مَرَّ وَأَمَّا تَوْجِيهُهُ أَيْضًا بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِمَّنْ لَا يُقْصَدُ بِالْهِبَةِ لَهُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهُ تَعَالَى كَهِبَةِ الْفَقِيرِ لِلْغَنِيِّ أَوْ بِأَنَّ هَذَا فِيهِ تَعْلِيقٌ لِلنَّذْرِ بِغَيْرِ مَقْصُودٍ وَشَرْطُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا عَلَى مَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا الْأَوَّلَ فَلِمَا قَرَّرْته قَبْلَهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ إطْلَاقَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ مَقْصُودًا غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ وَيَأْتِي انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلْتُ) عَمَّنْ نَذَرَ عَلَى آخَرَ بِثَوَابِ طَاعَاتِهِ مَا حُكْمُهُ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ بُطْلَانُ النَّذْرِ بِثَوَابِ طَاعَاتِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَنْذُورِ كَوْنُهُ قُرْبَةً غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يُسَمَّى نَذْرًا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ النَّذْرَ لُغَةً الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ الْتِزَامُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ وَنَذْرُ الثَّوَابِ لَا الْتِزَامَ فِيهِ وَلَا وَعْدَ.

فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَعِدُ أَوْ يَلْتَزِمُ بِمَالِهِ أَوْ يُقَدَّرُ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ وَلَا يُقَدَّرُ عَلَيْهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَعْدُ بِهِ وَلَا الْتِزَامُهُ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ غَيْرُ مُحَقَّقِ الْحُصُولِ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ مِنْهَا الْمَوْتُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَنَّى لِإِنْسَانٍ أَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهِ مَعْصُومٌ بَلْ سَبِيلُهُ الْخَشْيَةُ وَمَزِيدُ الْخَوْفِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهَذَا هُوَ الَّذِي آلَ بِكَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ إلَى مَا أُثِرَ عَنْهُمْ مِنْ اسْتِيلَاءِ سُلْطَانِ الْخَوْفِ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَذَابَ قُوَاهُمْ وَطَهَّرَ سِرَّهُمْ وَنَجَوَاهُمْ.

وَمِنْهَا مُوَافَقَةُ ظَاهِرِ الْأَمْرِ لِبَاطِنِهِ فَقَدْ يَظُنُّ الْإِنْسَانُ صِحَّةَ عِبَادَاتِهِ لِظَنِّهِ اسْتِيفَاءَ شُرُوطِهَا مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا قَدْ يَكُونُ مَفْقُودًا فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ كَخَبَثٍ أَوْ تَحَوُّلٍ عَنْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لَا يَعْلَمُهُ وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً فَاسِدَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَحِيحَةٌ فِي ظَنِّهِ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا صَلَاةً وَإِنْ أُثِيبَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ نَحْوِ ذِكْرٍ وَقُرْآنٍ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالثَّوَابُ لَيْسَ قَابِلًا لِلنَّذْرِ بِهِ بِوَجْهٍ فَكَانَ الْوَجْهُ عَدَمُ صِحَّةِ نَذْرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ امْرَأَةٍ نَذَرَتْ لِزَوْجِهَا بِجَمِيعِ مَا تَمْلِكُهُ وَهِيَ مَرِيضَةٌ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ تُوُفِّيَتْ بِذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ بِمَرَضٍ آخَرَ مَا حُكْمُ نَذْرِهَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ لِلزَّوْجِ بِذَلِكَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِلْأَجْنَبِيِّ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْفُورَانِيِّ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ.

فَقَالَ الْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا يُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَكَانَ لِلْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ أَنْ يَنْذِرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَيَضِيعُ عَلَى الْوَارِثِ حَقُّهُ بِطَرِيقٍ لَا يَقْدِرُ الْوَارِثُ عَلَى نَقْضِهِ فَالْمُعْتَمَدُ الْحِسَابُ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي كَلَامِ غَيْرِ الْفُورَانِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ وَفِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ أَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَمْ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ بِخُرَاسَانَ قَالَ إنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا صَدَرَ النَّذْرُ فِي الصِّحَّةِ أَمَّا إذَا صَدَرَ النَّذْرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ قَوْلًا وَاحِدًا وَمَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بِخُرَاسَانَ يُشِيرُ لِلْفُورَانِيِّ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فَقَالَ وَالنَّذْرُ الَّذِي يَصْدُرُ مِنْ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ مِنْ الثُّلُثِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَا الْكَفَّارَاتُ الَّتِي تَجْرِي أَسْبَابُهَا فِي الْمَرَضِ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي الْكَفَّارَةِ فِيهِ وَقْفَةٌ وَقَدْ يُرَجَّحُ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ بِهِ حِرْمَانُ الْوَارِثِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>