يَتَصَدَّقَ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ بِشَيْءٍ وَكَانَ النَّذْرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ بَلْ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ رَدُّهُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَزِيدَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ. اهـ. وَأَفْتَى أَيْضًا فِيمَا لَوْ نَذَرَ مَنْ بِهِ مَرَضٌ مَخُوفٌ أَوْ نَحْوُهُ بِصَدَقَةٍ بِأَنَّ ذَلِكَ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ وَذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ وَتُعُقِّبَ قَوْلُهُ السَّابِقُ فِي الْكَفَّارَاتِ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ قَالَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَنْقُولَ الْمُعْتَمَدَ بَلْ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ النَّذْرَ فِي الْمَرَضَ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ لِوَارِثٍ وَحَيْثُ اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِالْمَرَضِ الْوَاقِعِ فِيهِ النَّذْرُ أُضِيفَ الْمَوْتُ إلَى ذَلِكَ الْمَرَضِ وَكَانَ النَّذْرُ أَوْ التَّبَرُّعُ الْوَاقِعُ فِيهِ مَحْسُوبًا مِنْ الثُّلُثِ وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ حُدُوثِ مَرَضٍ آخَرَ مَخُوفٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ فَلَا يُرَاعَى وَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ نَوَى أَوْ نَذَرَ أَنْ يُعَمِّرَ مَسْجِدًا مُعَيَّنًا أَوْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ ذَلِكَ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُعَمِّرَ بِذَلِكَ مَسْجِدًا آخَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجْتَمِعُ النَّاسُ فِيهِ غَالِبًا أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ لَا يَجِبُ بِهَا شَيْءٌ فَلَهُ الْبِنَاءُ فِي الْمَوْضِعُ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقًا وَأَمَّا نَذْرُ بِنَاءِ مَسْجِدٍ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ يَحِلُّ الْبِنَاءُ فِيهِ فَصَحِيحٌ سَوَاءٌ أَجْتَمَعَ النَّاسُ ثَمَّ غَالِبًا أَمْ نَادِرًا وَخَرَجَ يَحِلُّ بِنَاؤُهُ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَهَلْ يُلْحَقُ بِهِ بِنَاؤُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ كَبِنَائِهِ عَلَى قَبْرٍ لَمْ يَنْدَرِسْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ وَاِتِّخَاذُهُ فِي الْمَحَالِّ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَمِنْهَا الْأَرَاضِي الْمَلْعُونَةُ أَوْ الَّتِي نَزَلَ بِهَا عَذَابٌ هَذَا إنْ بَقِيَ الْمَعْنَى الَّذِي كُرِهَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ كَالْمَقْبَرَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِخِلَافِ اتِّخَاذِ حَمَّامٍ مَسْجِدًا فَإِنَّ الْوَجْهَ زَوَالُ الْكَرَاهَةِ لِزَوَالِ عِلَّتِهَا.
كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ رَدًّا عَلَى ابْنِ الْعِمَادِ أَوْ لَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ بَلْ لَا يَصِحُّ نَذْرُ بِنَائِهِ وَلَوْ فِي الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَكَلَامُهُمْ فِي بَابِ النَّذْرِ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ كَصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا هُنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِذَاتِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَسْجِدًا وَحِينَئِذٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فِي الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ إذَا صَحَّ نَذْرُ بِنَائِهِ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ الْمُعَيَّنُ لِلْبِنَاءِ أَحَلَّ أَوْ أَبْعَدَ عَنْ الْمُؤْذِيَاتِ بِمَنْ بِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّعْيِينِ هُنَا وَعَدَمِهِ فِي مَسَائِلَ كَالِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَيْضًا قَوْلُهُمْ لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمِ فِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَدُّقُ بَدَلُهُ بِدِينَارٍ أَيْ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ نَذْرًا وَكَتَبَهُ بِخَطِّهِ فَقَالَ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ مُسَطِّرُ هَذِهِ الْأَحْرُفِ فَلِأَنَّ أَنِّي نَذَرْت عَلَى نَفْسِي نَذْرَ قُرْبَةٍ وَتَبَرُّرٍ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى عِيَالِ ابْنِ عَمِّي فُلَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ الْمَوْجُودِينَ وَالْمُتَجَدِّدَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَ قِطَعِ فِضَّةٍ سُلَيْمَانِيَّةٍ وَهَذَا خَطِّي شَاهِدٌ عَلَيَّ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَضْمُونِ ذَلِكَ جَمَاعَةً عُدُولًا فَهَلْ يَلْزَمُ هَذَا النَّذْرَ أَوْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ يَلْزَمُ وَلَمْ يُنْفِقْ هَلْ يَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ أَوْ لَا.
وَإِذَا قُلْتُمْ يَصِيرُ فَمَنْ الَّذِي يُطَالِبُهُ بِهِ أَهُوَ ذُو الْعِيَالِ أَمْ الْعِيَالُ أَنْفُسُهُمْ وَإِذَا ادَّعَى الْإِنْفَاقَ وَأَنْكَرَ ذُو الْعِيَالِ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ أَفْتُوَنَا مَأْجُورِينَ.
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ كَثُرَ اخْتِلَافُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي نَذَرْت هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِتَابَةٌ أَوْ إقْرَارٌ فَقَالَ بِكُلٍّ جَمْعٌ وَانْتَصَرُوا لَهُ وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَرِيحٌ مُطْلَقًا وَاشْتِرَاطُ ذِكْرِ اللَّهِ فِي الصَّرَاحَةِ بَعِيدٌ وَحِينَئِذٍ فَالنَّذْرُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ أَيَّامٌ وَلَمْ يُنْفِقْ فِيهَا صَارَتْ حِصَّةُ الْمَاضِي دَيْنًا عَلَيْهِ وَإِنْ أُعْسِرَ أَخْذًا مِمَّا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى فُلَانٍ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ وَأُعْسِرَ فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ حِصَّةُ مَا أُعْسِرَ عَنْهُ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي جَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ فِي الصَّوْمِ وَالْمُطَالِبُ هُوَ الْمَنْذُورُ لَهُ إنْ كَانَ كَامِلًا وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ وَالْمُصَدَّقُ فِي عَدَمِ الْإِنْفَاقِ هُوَ الْمَنْذُورُ لَهُ أَوْ وَلِيُّهُ فَعَلَى النَّاذِرِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ أَدَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute