للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَنْذُورَ بِهِ إلَى الْمَنْذُورِ لَهُ إنْ كَانَ كَامِلًا وَإِلَّا فَإِلَى وَلِيِّهِ وَقَوْلُهُ وَالْمُتَجَدِّدِينَ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ مُبْطِلٌ لِلنَّذْرِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْهِبَةِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْفِ بِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ مَوْجُودَةٌ وَإِنَّمَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْمَنْفَعَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ مَنْ سَيُوجَدُ إلَى الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ عَلَى الْمَوْجُودِينَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُمْ فِي الْعَيْنِ الْمَنْذُورِ بِهَا بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَإِذَا تَصَرَّفُوا فِيهَا بِذَلِكَ لَمْ يُدْرِكْ مَنْ سَيُوجَدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِحُّ النَّذْرُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ بِالْقِسْطِ خَاصَّةً لَا عَلَى غَيْرِهِمْ فَعَلَى هَذَا إنْ حَدَثَ لِابْنِ عَمِّهِ عِيَالٌ صَحَّ عَلَى الْمَوْجُودِينَ بِالْقِسْطِ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ عِيَالٌ وَأَيِسَ مِنْ حُدُوثِهِمْ صَحَّ النَّذْرُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ بِالنِّصْفِ وَبَطَلَ فِي النِّصْفِ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةٍ إذَا أَوْصَى لِأَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ وَالْمَعْدُومِينَ الَّذِينَ يُمْكِنُ وُجُودُهُمْ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الصِّحَّةُ فِي النِّصْفِ

وَكَأَنَّ الْمَوْجُودَ شَيْءٌ وَالْمَعْدُومَ شَيْءٌ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ: الْمَعْدُومُ الْمُمْكِنُ وُجُودُهُ خَارِجًا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا ثَابِتٌ وَلَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ ذَاكَ اصْطِلَاحٌ لَهُمْ فَرُّوا بِهِ مِنْ ضَلَالَةٍ وَقَعَ فِيهَا غَيْرُهُمْ وَإِلَّا فَمُقْتَضَى اللُّغَةِ إطْلَاقُ الشَّيْءِ عَلَى الْمَعْدُومِ عَلَى أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ قَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالْمُعْدَمِ الْمُمْكِنِ وُجُودُهُ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَبْحَثِ الْأُصُولِيِّينَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيمَا ذُكِرَ وَفِي هَذِهِ إمْكَانُ حُدُوثِ عِيَالٍ بِوَقْفِ الْمَنْذُورِ وَقْفَ تَبَيُّنٍ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا يَشْكُلُ عَلَى مَا مَرَّ قَوْلُهُمْ لَوْ أَوْصَى لِحَمْلِهَا فَأَتَتْ بِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَالْكُلُّ لِلْحَيِّ وَالْمَيِّتُ كَالْمَعْدُومِ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمَعْدُومِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ صَرِيحًا وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ صِحَّةَ النَّذْرِ لَلْمَوْجُودِينَ فِي النِّصْفِ كَالْوَصِيَّةِ بِجَامِعِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِصِحَّةِ النَّذْرِ وَإِعْطَاءِ الْمَوْجُودِينَ الْكُلَّ وَيُشَارِكُهُمْ مَنْ حَدَثَ كَمَا لَوْ قُسِمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ثُمَّ حَدَثَ وَارِثٌ هَذَا حَاصِلُ مَا لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ يُرَجَّحُ الْأَخِيرُ لَا لِمَا نَظَرَ بِهِ قَائِلُهُ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْإِرْثِ فَإِنَّ الْوَارِثَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنَّمَا الَّذِي يُوَجَّهُ بِهِ ذَلِكَ الْقِيَاسُ عَلَى الْوَقْفِ وَالْفَرْقُ السَّابِقُ لَا يُجْدِي عِنْدَ تَأَمُّلِهِ وَقَوْلُهُمْ تَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِهِ اسْتِقْلَالًا إمَّا تَبَعًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَقَدْ يُرَجَّحُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ قَائِلُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْوَقْفِ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْوَقْفِ الدَّوَامُ عَلَى الْبُطُونِ وَالطَّبَقَاتِ الْمُتَجَدِّدَةِ بَعْدُ إنْ لَمْ تَكُنْ فَلَمْ يَضُرَّ ذِكْرُ الْمَعْدُومِ فِيهِ تَبَعًا لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ يَقْتَضِيه بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَالنَّذْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُمَا إلَّا تَمْلِيكَ عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَالْمَنْذُورِ لِمَوْجُودٍ فَإِنْ أَضَافَ إلَيْهِ مَعْدُومًا صَارَ كَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَا يَصِحُّ أَحَدُ ذَيْنَك عَلَيْهِ

وَمَا لَا يَصِحُّ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ فِي النِّصْفِ عَلَى الرَّأْيِ الثَّالِثِ أَوْ بِالْقِسْطِ تَارَةً وَفِي النِّصْفِ أُخْرَى عَلَى الرَّأْيِ الثَّانِي وَالْقَوْلُ بِبُطْلَانِ النَّذْرِ مِنْ أَصْلِهِ بَعِيدٌ جِدًّا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْرَبَ الْقِيَاسُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَا الْوَقْفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ نَذَرَ لِوَلَدِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ كَالْهِبَةِ؟

(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ كَالْهِبَةِ بِخِلَافِ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ كَالْمُعَاوَضَةِ لَمْ يَبْعُدْ.

(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ مَعَ التَّأْقِيتِ وَبِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَبِالنَّجَسِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ وَقَعَ التَّأْقِيتُ فِي النَّذْرِ لِلْمَنْفَعَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ كَالْوَصِيَّةِ بِهَا بِتَفْصِيلِهَا أَوْ لِلْعَيْنِ فَإِنْ كَانَ بِمُدَّةِ حَيَاةِ الْمَنْذُورِ لَهُ كَنَذَرْتُ لَك بِهَذَا عُمُرَك فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى الْهِبَةِ عَلَى صُورَةِ الْعُمْرَى فَيَمْلِكُهَا الْمَنْذُورُ لَهُ وَوَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَلَا تَعُودُ لِلنَّاذِرِ مُطْلَقًا أَوْ لَا بِمُدَّةِ حَيَاةِ الْمَنْذُورِ لَهُ فَالْأَوْجَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا عَيْنٌ تُمْلَكُ بِصِيغَةٍ مُدَّةً ثُمَّ تَرْجِعُ إلَى الْمُمَلَّكِ بَعْدَ انْقِضَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعِهِ لَا بِالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا أَوْسَعَ مِنْ النَّذْرِ فَالنَّذْرُ أَوْلَى وَأَيْضًا فَالتَّوْقِيتُ بِغَيْرِ عُمُرِ الْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهِ لَمْ يُعْهَدْ فِي الْأَعْيَانِ بَلْ فِي الْمَنَافِعِ وَيَصِحُّ بِمَغْصُوبٍ وَنَجِسٍ يُقْتَنَى كَالْوَصِيَّةِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>