للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى الْحُكْمِ لَا يَلْحَقُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مِنْهُ ضَرَرٌ لِأَنَّهُ بِسَبِيلِ مَنْ عَزَلَهُمَا قَبْلَ تَمَامِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْقَاضِيَيْنِ لَوْ جَوَّزْنَا اجْتِمَاعَهُمَا فَإِنَّهُمَا مُلْزِمَانِ وَقَدْ يَخْتَلِفُ رَأْيُ كُلٍّ أَوْ رَأْيُ مُقَلِّدِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إبْرَازُ الْحُكْمَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ وَالْإِضْرَارِ بِالْمُدَّعِينَ وَكَأَنَّ هَذَا الْفَرْقَ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَتَحَاكَمَا إلَى اثْنَيْنِ فَيَجْتَمِعَانِ لَا تَوْلِيَةَ قَاضِيَيْنِ يَجْتَمِعَانِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ نُفُوذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ.

وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا نَفَّذْنَا أَحْكَامَ الْقَاضِي الْفَاسِقِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَنْفِيذِ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ النَّادِرَةِ مَعَ فِسْقِهِ الظَّاهِرِ وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ قَطْعًا. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ شَرَطَ كَوْنَ الْحَاكِمِ ظَاهِرَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّا لَوْ نَفَّذْنَا أَحْكَامَ الْقَاضِي الْفَاسِقِ لِلضَّرُورَةِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيهِ خِلَافُ الْغَزَالِيِّ السَّابِقُ فِي تَنْفِيذِ أَحْكَامِهِ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِالضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي تَنْفِيذِ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ مَعَ ظُهُورِ فِسْقِهِ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ ثَبَتَ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ فَعَلَى الْقَاضِي عِنْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي قَضَاؤُهُ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ أَيْ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ دُونَ الْغَائِبِ وَإِنْ كَانَ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ كَوْنَ الْغَائِبِ أَيْ الشَّخْصِ بِمَحَلِّ الْوِلَايَةِ وَإِنْ غَابَ مَالُهُ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ.

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا أَنَّ مَنْ وَلِيُّهَا الْقَاضِي لَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَهِيَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ صَحَّ أَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا كَمَا يَأْتِي مَبْسُوطًا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيمَا فِي السُّؤَالِ أَنَّ مَنْ يَثْبُتُ عِنْدَهُ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ بِالْبَلَدِ وَالْغَائِبِ عَنْهَا لَكِنْ يُشْرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ دُونَ مَا إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِقَضَاءِ حَقِّهِ مِنْهُ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي كَبِيرُ فَائِدَةٍ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ لَا تُفْهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْحَاضِرِ فِيهَا وَفِي أَصْلِهَا مَنْ هُوَ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَفِي الْخَادِمِ التَّقْيِيدُ بِالْحَاضِرِ يَقْتَضِي أَنَّ مَالَهُ إذَا كَانَ عَائِبًا لَا يَجِبُ الْإِذْنُ فِي التَّوْفِيَةِ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يَتَّجِهُ إذَا كَانَ الْغَائِبُ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ مَحَلِّ عَمَلِهِ.

أَمَّا الْخَارِجُ فَمَوْضِعُ نَظَرٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَأْذَنَ فِي ذَلِكَ وَيُنْهِي الْحَالَ إلَى حَاكِمِ بَلَدِ النَّاحِيَةِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ قَدْ يَكُونُ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ يُمْكِنُ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ مِنْهُ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَيَسْأَلُ الْمُدَّعِي الْقَاضِيَ إنْهَاءَ الْحُكْمِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ. اهـ. كَلَامُ الْخَادِمِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِي الِاسْتِشْهَادِ بِمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ. اهـ. وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمَّا قَالَ حَاضِرٌ يُمْكِنُ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَاضِرِ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَا فِيهَا يُمْكِنُ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ مِنْهُ وَلَمَّا قَالَ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَيَسْأَلُ إلَخْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِيهِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا يُنْهَى إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ وَمَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يُوَفِّي الْقَاضِي مِنْهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَدِينُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَمْ لَا هَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْحُكْمِ التَّوْفِيَةَ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ أَمَّا إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ بِإِلْزَامِ شَيْءٍ لِذِمَّتِهِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُزَوِّجُ الْقَاضِي إلَّا مَنْ هِيَ بِمَحَلِّ حُكْمِهِ حَالَ التَّزْوِيجِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ خَارِجَهُ قَالَ الْقَاضِي لِأَنَّ حُكْمَهُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ نَافِذٌ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ أَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ دُونَهَا فَلَا يُزَوِّجُهَا لَهُ وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالْخَاطِبِ فَلَمْ يُكْتَفَ بِحُضُورِهِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبِ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْتُنِي ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ وَإِذَا حَكَمَ لَهُ قَضَى أَيْ وَفِي الْحَاكِمِ وَكِيلُهُ أَيْ وَكِيلُ الْغَائِبِ الْحَقَّ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ وَلَوْ مِنْ مَالِ غَائِبٍ حَكَمَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِذَلِكَ الْغَائِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَاكَ مَالٌ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْطِيه إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ هُنَاكَ مَالٌ بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْخَصْمِ بِسُؤَالِ الْمَحْكُومِ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>