للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اسْتِحْضَارِ ذِكْرِ مَا ذَكَرَتْهُ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا ذَكَرَهُ لَهَا فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيُكْتَفَى بِعِلْمِهَا بِمَا عُقِدَ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْعَقْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ لَهَا بِلَفْظِ التَّقْلِيدِ وَلَمْ تَعْلَمْ شُرُوطَهُ وَهَلْ تَقْلِيدُ الْعَوَامّ إلَّا هَذَا وَهَلْ يَضُرُّ ذُهُولُ الشُّهُودِ عَمَّا ذَكَرَتْهُ مَعَ جَزْمِهَا بِاسْتِحْضَارِهِ وَسَمَاعِهِ وَيُكْتَفَى بِيَسِيرِ الِانْتِشَارِ وَتَحِلُّ لِلزَّوْجِ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِمَا ذُكِرَ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا قَصَدَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ الْعَمَلَ بِذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ ذَلِكَ تَقْلِيدًا لَهُ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ وُجُودُ شُرُوطِ الْعَقْدِ فِي مَذْهَبِهِ وَكَذَا شُرُوطُ وَطْءِ الْمُحَلِّلِ وَتَوَابِعُهُ فَإِذَا وُجِدَتْ كُلُّهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا شُرُوطٌ حَلَّتْ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إنْ قَلَّدَا أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْضًا وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى تَقْلِيدِهِ مَا دَامَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ فِي عِصْمَتِهِ وَيَلْزَمُ أَيْضًا رِعَايَةُ عَدَمِ التَّلْفِيقِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا ثَانِيًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا أُخْتُهَا وَلَا أَرْبَعٌ سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ وَعَلَى هَذَا الْمِثَالِ يُقَاسُ مَا أَشْبَهَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ جَمَاعَةٍ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مَدْرَسَةٌ مِنْ مَدَارِسِ زَبِيدٍ يُبَاشِرُونَ وَظَائِفَهَا وَيَقْبِضُونَ غَلَّاتِهَا فَجَاءَ مَنْ نَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ فَتَدَاعَوْا بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الْقُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ فَادَّعَوْا بِأَنَّ هَذِهِ الْمَدْرَسَةَ بَنَاهَا فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ وَوَقَفَ عَلَيْهَا هَذِهِ الْأَرَاضِي وَجَعَلَ النَّظَرَ وَالْوَظَائِفَ لِفُلَانٍ وَذُرِّيَّتِهِ وَهُوَ جَدُّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ بِيَدِهِمْ الْمَدْرَسَةُ؟

فَأَجَابَ الْمُنَازِعُ لَهُمْ بِالْإِنْكَارِ فَأَثْبَتُوا بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ مُدَّعَاهُمْ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ الَّتِي شَهِدَتْ لَهُمْ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُمْ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ الْقَاضِي وَاسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إلَى الشُّهْرَةِ وَالِاسْتِفَاضَةِ لِكَوْنِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ قَدِيمَ الْعَهْدِ مَعْدُومَ الرَّسْمِ فَكَتَبَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ لَهُمْ سِجِلًّا حُكْمِيًّا بِذَلِكَ وَحَكَمَ لَهُمْ بِمَا فِيهِ وَأَشْهَدَ جَمَاعَةَ مَجْلِسِهِ عَلَى ذَلِكَ فَجَاءَ هَذَا الْمُنَازِعُ بِبَعْضِ كُتُبِ التَّوَارِيخِ وَفِيهِ أَنَّ بَيْنَ مَوْتِ الْوَاقِفِ وَمَوْتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ فَرْقًا كَبِيرًا وَذَلِكَ بِأَنَّ الْمُؤَرِّخَ نَقَلَ أَنَّ الْوَاقِفَ تُوُفِّيَ فِي أَثْنَاءِ سَبْعِمِائَةٍ وَالْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ تُوُفِّيَ فِي أَثْنَاءِ سَنَةِ ثَمَانِمِائَةٍ فَأَرَادَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ السَّابِقَ بِمُجَرَّدِ مَا نُقِلَ عَنْ ذَلِكَ الْمُؤَرِّخِ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ يُعَارِضُ أَخْبَارُ التَّوَارِيخِ الْبَيِّنَاتِ الْعَادِلَةَ وَتَتَرَجَّحُ عَلَيْهَا أَمْ لَا؟ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ.

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْوَاقِعَةِ يَسْتَدْعِي تَحْرِيرًا فَإِنَّ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ هُمْ وَاضِعُو الْيَدِ وَأَنَّ الْخَارِجَ أَجَابَ بِالْإِنْكَارِ عَجِيبٌ إذْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ ذِي الْيَدِ أَنْ تُسْمَعَ لَهُ دَعْوَى عَلَى خَارِجٍ لَا يَدَ لَهُ بِمَا ذُكِرَ مَعَ أَنَّ شَرْطَ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً وَلَا إلْزَامَ هُنَا وَفَرْضٌ مُصَحِّحٌ لِدَعْوَاهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا إنَّهُ يُلَازِمُنَا وَيَمْنَعُنَا مِنْ اشْتِغَالِنَا لَا يَتَأَتَّى هُنَا مَعَ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَنَّ الْخَارِجَ أَجَابَ بِإِنْكَارِ اسْتِحْقَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا دَعْوَى أُخْرَى فَإِذَا أَنْكَرَهَا قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَمْ تُسْمَعْ مِنْهُمْ بَيِّنَةٌ بِاسْتِحْقَاقٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا الْآنَ بَلْ لَا يُطَابِقُ دَعْوَاهُمْ فَعُلِمَ أَنَّ الْوَاقِعَ إنْ كَانَ كَمَا ذُكِرَ أَوْ لَا مِنْ دَعْوَى وَاضِعِي الْيَدِ فَالدَّعْوَى بَاطِلَةٌ.

وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا مِنْ الْحُكْمِ كَذَلِكَ فَتَبْقَى الْأَرْضُ بِيَدِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ بِأَنْ ادَّعَى خَارِجٌ عَلَى ذِي الْيَدِ بِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلرَّقَبَةِ أَوْ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَنْفَعَةِ الْآنَ بِمُقْتَضَى كَذَا وَطَالَبَهُمْ بِرَفْعِ أَيْدِيهِمْ فَأَجَابُوا بِأَنَّهُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْمَنْفَعَةِ فَأَنْكَرَ فَأَقَامُوا بَيِّنَةً وَشَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ وَالِاسْتِحْقَاقَ لِجَدِّهِمْ وَذُرِّيَّتِهِ وَبِأَنَّهُمْ مِنْ تِلْكَ الذُّرِّيَّةِ وَلَمْ تَذْكُرْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ مُسْتَنَدَهَا الِاسْتِفَاضَةُ أَوْ ذَكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْجَزْمِ لَا الشَّكِّ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِهَا صَحَّ حُكْمُهُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ لِشَيْءٍ وَجَدَهُ مُخَالِفًا فِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ وَفِي الرَّوْضَةِ كَالْإِحْيَاءِ أَنَّ كُتُبَ التَّوَارِيخِ لَا تَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.

وَالْعَجَبُ مَنْ تَوَهُّمِ هَذَا الْقَاضِي ذَلِكَ إذْ هَذَا لَا يَصْدُرُ إلَّا مِمَّنْ لَمْ يَشَمَّ لِكَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ رَائِحَةً وَكَانَتْ أَمَارَاتُ الْجَهْلِ وَالتَّسَاهُلِ فِي الدِّينِ عَلَيْهِ لَائِحَةً وَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ ذَلِكَ مُتَوَهِّمٌ مَعَ اتِّفَاقِ أَئِمَّتِهِ عَلَى أَنَّ الْخَطَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَلَا يُقْضَى بِمَا فِيهِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ إنْسَانٌ فِي وَاقِعَةٍ وَدَوَّنَهَا بِخَطِّهِ وَحَفِظَهُ عِنْدَهُ حِفْظًا تَامًّا بِحَيْثُ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَزْوِيرُ شَيْءٍ فِيهِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ مُعْتَمِدًا عَلَى خَطِّهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>