مَسْأَلَتِنَا وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الدَّارِمِيِّ إذَا كَانَ الْعُلُوُّ مُشْتَرَكًا فَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ جَازَ وَإِنْ طَلَبُوا الْإِجْبَارَ يَجُوزُ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَا يَجُوزُ. اهـ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّ الصُّورَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْعُلُوُّ مُشْتَرَكًا فَقَطْ وَالسُّفْلُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا. اهـ. وَإِذَا كَانَتْ الصُّورَةُ كَذَلِكَ كَانَ كَلَامُ ابْنِ خَيْرَانَ ضَعِيفًا لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ حِينَئِذٍ يَشْهَدُ لَهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ السَّابِقِ وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي قِسْمَةِ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِجْبَارِ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَهُمَا وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا دُونَ الزَّرْعِ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ أَمَدًا يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَكَأَنَّ السُّبْكِيّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ تَوَقَّفَ فِي الْإِجْبَارِ فِيمَا لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ شَرِكَةٌ فِي أَنْشَابٍ وَبَسَاتِينَ وَبِئْرٍ وَالْأَرْضُ مُسْتَأْجَرَةٌ لَهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ لَا إجْبَارَ فِي الْبِئْرِ الْمُحْتَكَرَةِ وَلَا فِي الْأَنْشَابِ إنْ اخْتَلَفَ نَوْعُهَا أَوْ جِنْسُهَا أَوْ قِيمَتُهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ وَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ وَأَمْكَنَ التَّعْدِيلُ فَعِنْدِي فِيهِ تَوَقُّفٌ. اهـ. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَنْقُولَ يَقْتَضِي هُنَا عَدَمَ الْإِجْبَارِ أَيْضًا لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَرْضِ فَلَمْ تُوجَدْ فَائِدَةُ الْقِسْمَةِ وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَة بِقِسْمَيْهَا فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يُجْبِرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْقِسْمَةِ فِيهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى أَنَّ الْقِسْمَةَ هُنَا تُزِيلُ ضَرَرَ الشَّرِكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا تُبْقِي بَيْنَهُمَا تَعَلُّقًا بَعْدهَا بِخِلَافِهَا فِي الْأُولَى فَإِنَّ التَّعَلُّقَ الْمُؤَدِّيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمُضَارَةِ بَاقٍ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهَا مِنْ إزَالَةِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمُنَازَعَةِ وَالْمُضَارَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَّهَ بِذَلِكَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ قِسْمَةَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ دُونَ أَرْضِهِ لَا تَجُوزُ جَبْرًا وَتَجُوزُ اخْتِيَارًا وَوَجْهُهُ أَنَّ قِسْمَةَ التَّعْدِيلِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ تَقْطَعُ الْعَلَقَ بَيْنَهُمَا وَاعْتِرَاضُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الْقِسْمَةِ وَهَهُنَا لَوْ أُجْبِرْنَا لَمْ تَنْقَطِعْ الْعَلَقُ وَالِاعْتِرَاضَاتُ بَيْنَهُمَا لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَوِّضَ عَنْ شَجَرِهِ الَّذِي اُقْتُلِعَ لِاعْتِرَاضِهِ الْآخَر. اهـ.
(وَسُئِلَ) فِي قِسْمَةِ النَّخْلِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ إذَا اتَّحَدَ النَّوْعُ وَالْقِيمَةُ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ كَمَا أَفْتَى بِهِ إسْمَاعِيلُ الْحَيَائِيُّ أَوْ الشَّرْطُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَقَطْ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو شُكَيْل الْيَمَانِيَيْنِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ الشَّيْخَيْنِ وَكَلَامِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قِسْمَةِ النَّخْلِ إذَا اخْتَلَفَ نَوْعُهَا أَوْ جِنْسُهَا أَوْ قِيمَتُهَا إذَا لَمْ يُمْكِن التَّعْدِيلُ وَدَعْوَى أَبِي شُكَيْل أَنَّ الشَّرْطَ اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَقَطْ مَمْنُوعَةٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ دُونَ الْإِجْبَارِ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّ فِي إطْلَاقِ هَذَا نَظَرًا أَيْضًا فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُشْتَرَكُ الَّذِي يَعْدِلُ بِالْقِيمَةِ مِنْهُ مَا يُعَدُّ شَيْئًا وَاحِدًا كَأَرْضٍ تَخْتَلِفُ قِيمَةُ أَجْزَائِهَا بِحَسَبِ قُوَّةِ الْإِنْبَاتِ.
وَكَذَا بُسْتَانٌ بَعْضُهُ نَخْلٌ وَبَعْضُهُ عِنَبٌ وَدَارٌ بَعْضُهَا مَبْنِيٌّ بِآجُرٍّ وَبَعْضُهَا مَبْنِيٌّ بِخَشَبٍ وَطِينٍ هَذَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَلَا إجْبَارَ وَمِنْهُ مَا يُعَدُّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا وَلَا إجْبَارَ فِيهِ ثُمَّ قَالَا وَالْعَبِيدُ وَالدَّوَابُّ وَالشَّجَرُ وَالثِّيَابُ وَنَحْوهَا إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَأَمْكَنَ التَّسْوِيَةُ عَدَدًا وَقِيمَةً أُجْبِرَ عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ التَّسْوِيَةُ أَوْ كَانَتْ الْأَعْيَانُ أَجْنَاسًا أَوْ أَنْوَاعًا فَلَا إجْبَارَ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَطَتْ الْأَنْوَاعُ وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ كَتَمْرٍ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ. اهـ. مُلَخَّصًا وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ كَمَا يَجْرِي الْإِجْبَارُ إذَا اخْتَلَفَتْ الصِّفَاتُ يَجْرِي إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَالْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ بَعْضُهُ نَخْلٌ وَبَعْضُهُ عِنَبٌ.
وَالدَّارُ الْمَبْنِيُّ بَعْضُهَا بِالْآجُرِّ وَبَعْضُهَا بِالطِّينِ وَالْخَشَبِ وَهَذَا إذَا لَمْ تُمْكِنْ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقَارًا كَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَشْجَارِ وَنَحْوهَا فَإِنْ كَانَتْ نَوْعًا وَاحِدًا وَأَمْكَنَتْ التَّسْوِيَةُ عَدَدًا وَقِيمَةً أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ وَإِلَّا فَلَا وَكَأَنَّ أَبَا شُكَيْل تَوَهَّمَ مَا ذُكِرَ عَنْهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْبُسْتَانِ الْمَذْكُورَةِ وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ فِيهَا أُلْغِيَ لِأَنَّ الْمَقْسُومَ بِالْقَصْدِ هُوَ أَرْضُ الْبُسْتَانِ فَلَا نَظَرَ لِاخْتِلَافِ جِنْسِ مَا فِيهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute