لَك ذَلِكَ وَإِنَّ الْمَنْقُولَ أَنَّ الشَّهَادَةَ الضِّمْنِيَّةَ كَالْمُطَابَقَةِ اتَّضَحَ لَك أَنَّ الشَّاهِدَ مَتَى قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ الدَّارَ الْمَحْدُودَةَ بِكَذَا أَقَرَّ بِهَا فُلَانٌ أَوْ بَاعَهَا فُلَانٌ أَوْ وَقَفَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ شَهَادَةٌ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْعَقْدِ أَصْلًا وَبِالْحُدُودِ ضِمْنًا فَنَقْبَلُ كُلًّا مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ وَيُعْمَلُ بِهِمَا وَبِتَأَمُّلِ قَوْلِهِمْ إنَّ الشَّهَادَةَ بِالْبُنُوَّةِ ضِمْنِيَّةٌ يَنْدَفِعُ قَوْلُ السُّبْكِيّ فِي أَوَاخِرِ مَسْأَلَةِ النَّسَبِ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الَّذِي يَقْصِدُ إثْبَاتَهُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَهُ الشَّاهِدُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً كَانَ أَوْ الْتِزَامًا وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ مِنْ الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ فِي شَيْءٍ.
وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الدَّلَالَةِ التَّضَمُّنِيَّةِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الدَّلَالَتَيْنِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ أَيْضًا جَوَابُهُ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِآيَةِ {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: ٩] وَيَظْهَرُ صِحَّةُ اسْتِدْلَالِهِمْ لِلرَّاجِحِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنُّبُوَّةِ مَقْصُودَةٌ أَيْضًا وَوَجْهُ دَلَالَتَهَا لِذَلِكَ أَنَّ الْقَصْدَ صُدُورُ ذَلِكَ الْقَوْلِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ لِفِرْعَوْنَ فَوَصْفُهَا بِذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْخَبَرِ وَفَرْقُهُ بَيْنَ اللَّهِ وَالشُّهُودِ بِمَا مَرَّ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا يُنْتِجُ مَا قَالَهُ وَيُرَدُّ مَا قَالُوهُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا نَظَرُوا إلَى أَنَّ اللَّفْظَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ مَعَ قَطْعِ النَّظَر عَنْ عِلْم الْمُتَكَلِّمِ وَكَوْنِهِ عَامًّا أَوْ خَاصًّا لِأَنَّ ذَاكَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الدَّلَالَاتِ اللَّفْظِيَّة الَّتِي هِيَ وَضْعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا مَرَّ عَنْ النَّصَارَى وَتَكْذِيبُهُمْ فِي أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا فَلَوْلَا أَنَّ دَعْوَاهُمْ بُنُوَّتَهُ وَقَعَتْ فِي كَلَامِهِمْ مَقْصُودَةً لَمَا كَذَّبُوا إذْ التَّكْذِيبُ كَالتَّصْدِيقِ إنَّمَا يَكُونُ فِي النِّسَبِ الْخَبَرِيَّةِ سَوَاءٌ أَقَصَدْت مُطَابَقَةً أَمْ تَضَمُّنًا فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ النِّسَبِ.
وَالْحُدُودِ مِنْ النِّسَبِ الْخَبَرِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ ضِمْنًا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا إذَا وَقَعَتْ فِي لَفْظِ الشَّاهِدِ لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهَا مَقْصُودَةٌ نَعَمْ الْحَقُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشَّاهِدِ الَّذِي يُقْبَل مِنْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَزِيدُ تَحَرٍّ وَضَبْطٍ وَمَعْرِفَةٍ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَتَسَاهَلُ بِإِطْلَاقِ الْبُنُوَّةِ وَالْحُدُودِ فِي شَهَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنِدٍ لَهُ فِي ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ كَقَوْلِ الْعَاقِدِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يُفِيدهُ ظَنًّا قَوِيًّا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فِي شَهَادَتِهِ وَكَلَامُهُمْ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا هُنَا أَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْبُنُوَّةِ إلَّا أَنَّهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى دَالٌ عَلَى ذَلِكَ وَبِهَذَا انْدَفَعَتْ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتُ وَالْقَرَائِنُ الَّتِي نَظَرَ إلَيْهَا السُّبْكِيّ وَجَعَلَهَا حُجَّةً لَهُ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْبُنُوَّةِ وَالْحُدُودِ.
وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا فِي الشَّاهِدِ تِلْكَ الصِّفَاتِ أَخْذًا مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ قَوِيَ الظَّنُّ بِقَبُولِ قَوْلِهِ الْمَقْصُودِ لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَإِذَا قَوَّى الظَّنُّ بِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ وَالْحُكْمُ بِهِ وَقَوْلُهُ لَا يَكُونُ مَشْهُودًا بِهِ حَتَّى يَقُولُوا إنَّا نَشْهَدُ بِالْحُدُودِ مَمْنُوعٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مَشْهُودٌ بِهِ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَأَنَّ الضِّمْنِيَّ فِي ذَلِكَ كَالْمَقْصُودِ فَتَأَمَّلْ مَا قُلْنَاهُ الْمُسْتَنِدَ إلَى مَا قَالُوهُ وَصَرَّحُوا بِهِ يَظْهَرْ لَك بِهِ رَدُّ جَمِيعِ مَا قَالَهُ وَاسْتَنَدَ إلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْتُنِي اُسْتُفْتِيتُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا لَفْظُهُ مَا قَوْلكُمْ فِي مُسْتَنَدِ لَفْظِهِ هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانٌ جَمِيعَ الْعُزْلَةِ الَّتِي يَحُدُّهَا مِنْ الْمَشْرِقِ كَذَا وَمِنْ الْمَغْرِبِ كَذَا وَمِنْ الشَّامِ كَذَا وَمِنْ الْيَمَنِ الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ اشْتِرَاءً صَحِيحًا شَرْعِيًّا.
ثُمَّ قَالَ شَاهِدُهُ لَمَّا تَكَامَلَ ذَلِكَ ثَبَتَ لَدَى فُلَانٍ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْهِ جَرَيَانُ عَقْدِ التَّبَايُعِ الْمَشْرُوحِ أَعْلَاهُ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ بِأَعَالِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فِيهِ شِرَاءً صَحِيحًا شَرْعِيًّا وَحُكِمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ حُكْمًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا فَهَلْ ذَلِكَ شَامِلٌ لِلْحُكْمِ بِأَنَّ الْحَدَّ الْيَمَنِيَّ طَرِيقٌ مَسْلُوكٌ أَوْ لَا فَأَجَبْت نَعَمْ ذَلِكَ شَامِلٌ لِلْحُكْمِ بِمَا ذُكِرَ فَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِنَظِيرِهِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَكَّلَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ هَذَا فِي كَذَا ثَبَتَ النَّسَبُ تَبَعًا لِلْوَكَالَةِ.
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالشَّهَادَةِ كَمَا أَنَّ مَنْ شَهِدَ بِثَمَنٍ فِي بَيْعٍ أَوْ مَهْرٍ فِي نِكَاحٍ كَانَ شَاهِدًا بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِشَهَادَتِهِ إلَّا الْمَالَ اهـ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا شَهِدَا عِنْد الْحَاكِمِ بِجَرَيَانِ عَقْدِ التَّبَايُعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى تَحْدِيدِهِمَا لِلْمَبِيعِ بِمَا ذُكِرَ كَانَ ذَلِكَ شَهَادَةً مِنْهُمَا بِأَنَّ الْحَدَّ الْيُمْنَى شَارِعٌ مَسْلُوكٌ فَإِذَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِجَمِيعِ مَا شَهِدَا بِهِ كَانَ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ شَارِعٌ اهـ فَإِنْ قُلْتَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحُدُودِ وَمَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute