للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْحَاكِمُ لَا يَشْعُرُ بِمَانِعِ الشَّهَادَةِ فَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الْحَاكِمَ عَلَى بَاطِلٍ بَلْ عَلَى إيصَالِ حَقٍّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْخَصْمِ وَلَا عَلَى الشَّاهِدِ وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يُجْمَع عَلَى فِسْقِهِ كَشَارِبِ النَّبِيذِ يَلْزَمهُ الْأَدَاءُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَاضِي يَرَى التَّفْسِيقَ وَرَدَّ الشَّهَادَةَ بِهِ أَمْ لَا فَقَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ وَيَرَى قَبُولَهَا

وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ عَدَمُ اللُّزُومِ إذَا كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا لِمَنْ يَرَى التَّفْسِيقَ بِذَلِكَ كَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي صُورَةِ النَّبِيذِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَ مُقَلَّدِهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مِثْلِ ذَلِكَ بَعِيدٌ نَادِرٌ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ نَقْضِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِينَ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ كَالْأَصْحَابِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ نَقَضَ خَطَأَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ بَانَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ وَقَوْلُهُ الْأَمْرُ الثَّانِي لِأَنَّ الْإِمَامَ نَجْمَ الدِّينِ ابْنَ الرِّفْعَةِ إلَخْ عَجِيبٌ مِنْهُ نَقْلُ هَذَا وَأَمْثَالِهِ الْكَثِيرَةِ فِي كَلَامِهِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ فِي كُتُبِ سَائِرِ الْأَصْحَابِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ بَلْ وَقَعَ لَهُ رَدُّ رِوَايَةِ الْمَجْهُولِ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَة ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ بِبَلْ إلَى بَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا مِنْ التَّهَافُتِ فِي الْوَضْعِ مَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ الثَّانِي فَكَلَامٌ وَاهٍ سَاقِطٌ ضَعِيفٌ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ إمَّا بَاطِلٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَيْهِ بِصِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ لِلْفَاسِقِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَقَدْ نَقَلَ مُحَقِّقُو الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يُفْهِمُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاعْتَمَدُوهُ حَيْثُ قَالُوا لَوْ تَعَذَّرَ جَمِيعُ شُرُوطِ الْقَضَاءِ فَوَلَّى الْإِمَامُ فَاسِقًا أَوْ مُقَلِّدًا جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَسَكَتُوا عَنْ نَظِيرِهِ فِي الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَا لَوْ رَتَّبَ الْإِمَامُ شُهُودًا فِيهِمْ جَارِحُ الْفِسْقِ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي قَوَاعِدِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَوْ فَاتَتْ الْعَدَالَةُ فِي شُهُودِ الْحَاكِمِ فَهَذَا فِيهِ وَقْفَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَصْلَحَةِ الْمُدَّعِي مُعَارِضَةٌ لِمَصْلَحَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالذِّمَمِ وَالْأَبْدَانِ وَالظَّاهِرُ مِمَّا فِي الْأَيْدِي أَنَّهُ لِأَرْبَابِهَا وَلَا يَلْحَقُ بِتَنْفِيذِ وِلَايَةِ فَاقِدِ الْأَهْلِيَّةِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضَةِ الْمَذْكُورَةِ. اهـ.

فَتَأَمَّلْ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ الْفَرْقِ تَجِدهُ رَدًّا فِيمَا ذَكَره الْمُجِيبُ الثَّانِي وَقَوْلُهُ إنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اعْتَبَرَ الْأَغْلَبَ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى تَسَاهُلِهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَعَدَمِ إتْقَانِهِ بِمَا يَسْتَدِلُّ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى غَلَبَةِ الطَّاعَاتِ أَوْ الْمَعَاصِي أَوْ اسْتِوَائِهِمَا إلَّا إذَا لَمْ تُوجَدْ كَبِيرَةٌ بِأَنْ وُجِدَتْ صَغَائِرُ أَوْ صَغِيرَةٌ وَدَاوَمَ عَلَيْهَا فَإِنْ غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَيُعَدَّلُ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ تِلْكَ الصَّغَائِرِ وَإِنْ لَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ فَغَيْرُ عَدْلٍ لِأَنَّ غَلَبَةَ الْمَعَاصِي حِينَئِذٍ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ فَزَالَتْ بِهِ الْعَدَالَةُ وَأَمَّا إذَا ارْتَكَبَ كَبِيرَةً فَإِنَّهُ يَصِيرُ فَاسِقًا وَإِنْ غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيه لِأَنَّ ارْتِكَابَ الْكَبِيرَةِ مُزِيلٌ لِلْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى غَلَبَةِ طَاعَاتِهِ أَوْ عَدَمِهِ وَأَمَّا اسْتِدْلَاله بِمَا ذَكَره فِي الْأَمْرِ الثَّالِثِ وَبِكَلَامِ شَرْحِ مُسْلِمٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِمَا مَرَّ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ تَعَارُضُ مَصْلَحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ وَإِنَّمَا فِيهِ تَعَارُضُ مَصْلَحَتَيْنِ - وَلَا مُرَجِّحَ فَلَا يُعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ وَتَرَكْنَا الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ بَقَاءِ الْحُقُوقِ فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا وَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ الثَّابِتِ فِي ذَلِكَ وَبَرَاءَةِ الذِّمَمِ وَنَحْوِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ أَوْصَى شَخْصٌ لِآخَرَ بِشَيْءٍ فَادَّعَى عَصَبَةُ الْمُوصِي الرُّجُوعَ وَأَقَامُوا شَاهِدًا بَعْد أَنْ أَقَامَ الْمُوصَى لَهُ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْعَصَبَةِ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ الْعَصَبَةِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ إخْوَةٌ حَتَّى تَكْمُلَ الْحُجَّةُ وَتُرَجَّحَ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ عَصَبَةَ الْمُوصِي إنْ كَانُوا وَرَثَةً لَمْ تُقْبَل شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَرَثَةً قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ بِالرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الرُّجُوعِ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحَبَةٌ أَوْ قَالَتْ الْأُخْرَى شَاهَدْنَاهُ بَعْد الْوَصِيَّةِ تَكَلَّمَ أَوْ فَعَلَ مَا يَكُون رُجُوعًا تَعَارَضَتَا وَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ بِحَالِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُسْتَوْدَعٍ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ الْمُودِع

<<  <  ج: ص:  >  >>