للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَطَلَبَ الشَّخْصُ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُسْتَوْدَع فِي غَيْبَةِ الْمُودِعِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً لَهُ بِالْإِذْنِ عِنْد حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ وَلَدُ الْمُسْتَوْدَعِ وَأَجْنَبِيُّ وَقَبِلَهُمَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ بِالدَّفْعِ ثُمَّ حَضَرَ الْمُودِعُ بَعْدَ الدَّفْعِ وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ فِي الدَّفْعِ فَأَقَامَ الْمُسْتَوْدَعُ الْبَيِّنَةَ الْمَحْكُوم بِهَا فَهَلْ تُقْبَلُ وَيَبْرَأُ الْمُسْتَوْدَعُ مِنْ الْوَدِيعَةِ بَعْد إنْكَارِ الْإِذْنِ مِنْ الْمُودِعِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَمْ لَا أَمْ كَيْف الْحَالُ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الْوَدِيعَ كَانَ هُوَ الْمُقِيمَ لِلْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ تُقْبَل لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَهُ بِمَا يَدَّعِيه عَلَى الْمُودِعِ مِنْ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الدَّفْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُقِيمُ لَهَا غَيْرَ الْوَدِيعِ كَأَنْ ادَّعَى الْمَأْذُونُ لَهُ الْإِذْنَ وَأَنْكَرَهُ الْوَدِيعُ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ الْمَذْكُورَةَ قُبِلَتْ وَجَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا وَلَا نَظَرَ حِينَئِذٍ إلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا وَلَدُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ لَا لَهُ وَلَا نَظَرَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ بَرَاءَةِ الْوَدِيعِ بِهَذَا الدَّفْعِ إذَا حَضَرَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُدَّعَى بِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْتُهُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرِهِمَا.

وَالْعِبَارَةُ لِلرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَبْدٌ فِي يَدِ زَيْدٍ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ عَمْرٍو بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ عَمْرٌو مِنْ زَيْدٍ صَاحِبِهِ وَقَبَضَهُ وَطَالَبَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَأَنْكَرَ زَيْدُ جَمِيعَ ذَلِكَ فَشَهِدَ ابْنَاهُ لِلْمُدَّعِي بِمَا يَقُولهُ حَكَى الْقَاضِي أَبُو سَعِيدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلَيْنِ أَحَدَهُمَا رَدّ شَهَادَتهمَا لِتَضَمُّنِهَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِأَبِيهِمَا وَأَصَحُّهُمَا الْقَبُولُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشَّهَادَةِ فِي الْحَالِ الْمُدَّعِي وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا. اهـ. فَتَأَمَّلْ تَعْلِيلَ الْقَبُولِ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ بِمَا ذُكِرَ تَجِدهُ نَصًّا فِي مَسْأَلَتِنَا وَتَأَمَّلْ تَعْلِيلَ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ بِتَضَمُّنِهَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِأَبِيهِمَا تَعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا وَلَا يُنْظَر لِتَضَمُّنِهَا مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالشَّهَادَةِ وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ ابْنِ الْوَدِيعِ وَأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَرَاءَتُهُ إذَا أَنْكَرَ الْمُودِعُ الْإِذْنَ وَلَا نَظَرَ لِهَذَا التَّرْتِيبِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالشَّهَادَةِ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ التَّصْوِيرِ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْقَبُولِ قُلْتُ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَقِبَهُ لَا يُحْتَاجُ عِنْدِي لِهَذَا التَّصْوِيرِ بَلْ لَوْ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ أَنَّهُ بَاعَهُ فَشَهِدَ ابْنَاهُ قُبِلَتْ شَهَادَتَهُمَا. اهـ. وَهَذَا مِمَّا يَزِيدُ مَسْأَلَتِنَا إيضَاحًا كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ بَرَاءَةُ الْوَدِيعِ قَوْلُهُمْ مَحَلُّ عَدَم قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ضِمْنًا فَإِنْ كَانَ قُبِلَتْ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ نَسَبَ وَلَدٍ فَأَنْكَرَ فَشَهِدَ أَجْنَبِيٌّ وَأَبُو الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إقْرَارِهِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَبِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ الشَّهَادَةُ لِحَفِيدِهِ

ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ وَأَقَرَّهُ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا وَالزَّرْكَشِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُمَا وَمَنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْقَاضِي شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَوْضَتِهِ إذَا شَهِدَ عَلَى مَوْلَى أُمِّهِمَا أَنَّهَا أَعْتَقَتْهُ عَلَى أَلْفٍ سُمِعَتْ فِي الْعِتْقِ وَهَلْ تُسْمَعُ فِي الْأَلْفِ فِيهِ قَوْلَانِ سَوَاءٌ أَقَرَّتْ أَمْ أَنْكَرَتْ. اهـ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ هَكَذَا وَقَالَ صَاحِبُهُ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِشْرَافِ وَأَنَا قَدْ بَيَّنْتُ أَنَّهُ يُفْصَلُ بَيْن مَا لَوْ سَبَقَ مِنْهُمَا الدَّعْوَى أَوْ لَمْ يَسْبِق عَلَى مَا حَكَيْته عَنْ الْإِمَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. قَالَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهَا إذَا ادَّعَتْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِالْأَلْفِ شَهَادَةً لَهَا بِمَالٍ قَصْدًا لَا ضِمْنًا إذْ الْأَمْرُ الضِّمْنِيّ لَا يَمْنَعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ بِهِ لِلْوَلَدِ أَوْ لِلْوَالِدِ قَالَ الشَّيْخَانِ رَحِمهمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرهمَا وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا قَذَفَ ضَرَّةَ أُمِّهِمَا فَفِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّ الْقَبُولَ يُحْوِجُهُ إلَى اللِّعَانِ وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْفُرْقَةِ فَشَهَادَتُهُمَا تَجُرُّ نَفْعًا إلَى أُمِّهِمَا وَأَظْهَرهُمَا الْقَبُولُ وَلَا عِبْرَةَ بِمِثْلِ هَذَا الْجَرِّ لِأَنَّهُ ضِمْنِيٌّ لَا مَقْصُودٌ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُمَا تَحْتَهُ وَقَدْ شَهِدَ حِسْبَةً مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الضَّرَّةِ وَإِلَّا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا قَطْعًا لِضَعْفِ جَرِّ النَّفْعِ إلَى الْأُمِّ فِي الثَّانِيَةِ وَعَدَمِهِ فِي الْأُولَى وَلَوْ ادَّعَى الْأَبُ طَلَاقَهَا فِي زَمَنٍ سَابِقٍ لِيُسْقِطَ بِمَا يَدَّعِيه عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَةً مَاضِيَةً وَنَحْوِهَا أَوْ أَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ فَشَهِدَا لَهُ ابْنَاهُ لَمْ يُقْبَلَا قَطْعًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ وَتَقَعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>