أَنَّ وُجُودَهُ هُوَ الَّذِي يَصْدُرُ عَنْهُ كُلُّ مَوْجُودٍ.
قَالَ: وَالْجَلِيلُ: الْمَوْصُوفُ بِنُعُوتِ الْجَلَالِ الَّتِي هِيَ الْعِزُّ وَالْمُلْكُ وَالْقُدْسُ وَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ، وَغَيْرُهَا مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، فَالْجَامِعُ لِجَمِيعِهَا هُوَ الْجَلِيلُ الْمُطْلَقُ، فَالْجَلِيلُ الْمُطْلَقُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ. فَكَأَنَّ الْكَبِيرَ يَرْجِعُ إلَى كَمَالِ الذَّاتِ، وَالْجَلِيلَ إلَى كَمَالِ الصِّفَاتِ وَالْعَظِيمَ إلَى كَمَالِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ جَمِيعًا.
قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى أَفْعَلْ التَّفْضِيلِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى النَّعْتُ؛ فَأَكْبَرُ بِمَعْنَى كَبِيرٍ؛ إذْ لَا مُسَاوِيَ لَهُ تَعَالَى فِي كَمَالِ الْوُجُودِ أَزَلًا وَأَبَدًا، وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَا خَطَرَ بِبَالِ الْعَبْدِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ وَتَمَامِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْقُدْسِ - فَاَللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَرَاءِ مَا خَطَرَ لَهُ إذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَبِيرَ يَرْجِعُ إلَى كَمَالِ الذَّاتِ وَالْجَلِيلَ إلَى كَمَالِ الصِّفَاتِ، وَالْعَظِيمَ إلَى كَمَالِهِمَا.
وَسُئِلَ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ أَوَّلِ مَا نَطَقَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآخِرِ مَا نَطَقَ بِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَوَّلُ مَا نَطَقَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اللَّهُ أَكْبَرُ) كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَأَمَّا آخِرُ مَا نَطَقَ بِهِ فَهُوَ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى، كَمَا فِي الصَّحِيحِ، قِيلَ: وَهُوَ أَعْلَى الْمَنَازِلِ كَالْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى الْجَنَّةِ، فَمَعْنَاهُ أَسْأَلُك يَا اللَّهُ أَنْ تُنِيلَنِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أُرِيدُ أَلْقَاك يَا رَفِيقُ يَا أَعْلَى، وَالرَّفِيقُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ» فَكَأَنَّهُ طَلَبَ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَعْلَى صِفَاتِ الرِّفْقِ وَاللُّطْفِ بِهِ وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ وَارِثِيهِ وَحَشَرَنَا مَعَهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجِبُ فِي السُّجُودِ وَضْعُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ مَعًا مَثَلًا أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا بِقَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ، سَوَاءٌ وَضَعَهَا وَرَفَعَهَا مَعًا أَمْ مُرَتِّبًا صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ النَّحْوِيِّ وَغَيْرُهُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ وَعِلْمِ عَدَمِ وُرُودِهِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ حَرْفَيْنِ فَإِنْ جَهِلَ، أَوْ نَسِيَ لَمْ تَبْطُلْ.
(وَسُئِلَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّنْ يَدْعُو بِنَحْوِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، فَمَا يَزِيدُ إحْسَانِي سُلْطَانَك وَلَا تُقَبِّحُ إسَاءَتِي مُلْكَك، وَنَحْوِ ذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا مَنْعَ فِي ذَلِكَ، حَيْثُ اعْتَقَدَ الدَّاعِي أَنَّ اللَّهَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. وَالْأَوْلَى فِي الْمُنَاجَاةِ الْإِقْرَارُ بِالذَّنْبِ، وَالتَّضَرُّعُ فِي سُؤَالِ الْغُفْرَانِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ حُجَّةٍ وَلَا تَعْلِيلٍ، فَذَلِكَ أَوْلَى بِالْمُذْنِبِ الْمَمْلُوكِ مَعَ مَوْلَاهُ الْقَادِرِ عَلَيْهِ، الْفَاعِلِ لِمَا يَشَاءُ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ شَخْصٍ سَبَّحَ بِنَحْوِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ. .. إلَخْ، هَلْ الْمَرَّةُ مِنْهُ أَفْضَلُ مِمَّنْ يُسَبِّحُ بِسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَيُعَدِّدُ مِنْ ذَلِكَ أَلْفَ مَرَّةٍ مَثَلًا.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، هُوَ أَفْضَلُ مِنْ أُلُوفٍ مُؤَلَّفَةٍ؛ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَعِنْدَهَا حَصَوَاتٌ كَثِيرَةٌ سَبَّحَتْ بِهَا، فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً عَدَلَتْ جَمِيعَ مَا قُلْتِ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ» الْحَدِيثَ، وَلَمَّا سُئِلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ نَحْوِ مَا فِي السُّؤَالِ قَالَ: قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْأَذْكَارِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ لِعُمُومِهَا وَشُمُولِهَا لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ وَالذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، فَيَكُونُ الْقَلِيلُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَفْضَلَ مِنْ الْكَثِيرِ؛ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَاءَ نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِيهِمَا قَدْ أَفَادَتْ الِاتِّصَافَ بِكُلِّ جَلَالٍ وَكَمَالٍ، فَأَعْطَتْ اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ فِي الْإِكْرَامِ وَالْجَلَالِ.
فَإِذًا لَا إكْرَامَ إلَّا مِنْهُ وَلَا جَلَالَ وَكَمَالَ إلَّا وَقَدْ اتَّصَفَ بِهِ اهـ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبَعْضِ نِسَائِهِ - حِينَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا تُسَبِّحُ بِالْحَصَى -: «أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، فَقُولِي: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا فِي السَّمَوَاتِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا فِي الْأَرْضِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ مِثْلَ ذَلِكَ» . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ الْعَدَدِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَبِهِ تُقَاسُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَدَدَ خَلْقِك كُتِبَ لَهُ