للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَاتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ إذَا تَرَاكَمَ الْبَلْغَمُ بِحَلْقِهِ أَوْ غَصَّ بِرِيقِهِ، وَخَشِيَ أَنْ يَنْخَنِقَ إنْ لَمْ يَتَنَحْنَحْ فَتَنَحْنَحَ لِلضَّرُورَةِ لَمْ يَضُرَّ. وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَائِمًا وَحَصَلَتْ نُخَامَةٌ - إنْ تَنَحْنَحَ - خَرَجَتْ فَيَصِحُّ صَوْمُهُ أَنَّهُ يَلْفِظُهَا وَإِنْ لَزِمَ إظْهَارُ حَرْفَيْنِ، وَوَجْهُهُ مَا فِيهِ مِنْ تَصْحِيحِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ إذْ يُبْطِلُهَا مَا يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّ إظْهَارَ الْحَرْفَيْنِ إذَا اُغْتُفِرَ لِتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ - فَلْيُغْتَفَرْ لِصَوْنِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَنْ الْإِبْطَالِ سِيَّمَا إنْ كَانَا فَرْضَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا، بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ لَفْظِهَا إنْ كَانَ الصَّوْم وَاجِبًا، وَكَذَا الصَّلَاةُ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ. وَبِمَا وَجَّهْته بِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ نَازَعَ فِيهِ.

وَأَفْتَى الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ بِأَنَّ مَنْ عَرَضَتْ لَهُ نُخَامَةٌ فَوَصَلَتْ لِحَدِّ الظَّاهِرِ؛ وَلَمْ يُمْكِنْهُ مَجُّهَا إلَّا بِالتَّنَحْنُحِ وَإِلَّا وَصَلَتْ لِلْبَاطِنِ - يَتْرُكُهَا تَنْزِلُ إلَيْهِ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ وَصَلَتْ لِحَدِّ الظَّاهِرِ لِعُذْرِهِ بِسَبَبِ إبْطَالِ الصَّلَاةِ بِالتَّنَحْنُحِ حَالًا اهـ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ.

(سُئِلْت) عَمَّا لَوْ عَرَضَتْ لَهُ نُخَامَةٌ؛ إنْ قَطَعَهَا وَمَجَّهَا ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ؛ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَإِنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ وَأَفْطَرَ، فَمَا الَّذِي يَرْتَكِبُهُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَفْسَدَتَيْنِ؟ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ التَّرْكَ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ اهـ.

وَلَك رَدُّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وُصُولَهَا لِلْبَاطِنِ بَعْدَ خُرُوجِهَا لِحَدِّ الظَّاهِرِ مُبْطِلٌ، وَكَذَا التَّنَحْنُحُ لِإِخْرَاجِهَا عَلَى مَا زَعَمَهُ، فَمَا الْمُرَجِّحُ لِاغْتِفَارِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي؛ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ بِتَخْيِيرِهِ بَيْنَ تَرْكِ التَّنَحْنُحِ حَتَّى تَنْزِلَ، وَفِعْلِهِ لِإِخْرَاجِهَا؛ لِتَعَارُضِ مُبْطِلَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ. أَوْ يُقَالُ بِالْبُطْلَانِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِاغْتِفَارِ التَّنَحْنُحِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ اغْتِفَارُ تَعَمُّدِهِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ فِي الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ تَعَمُّدِ الْمُفْطِرِ، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ. وَالثَّانِي بِأَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ التَّرْكَ؛ فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: يُقَدَّمُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ - سَاوَى كَلَامَ الْمُنَاوِيِّ فَيُرَدُّ بِمَا رَدَدْته بِهِ؛ وَإِنْ قَالَ بِإِبْطَالِهَا، فَالْقِيَاسُ تَخْيِيرُهُ لَا تَعَيُّنُ التَّرْكِ. ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ فِي مُفْطِرٍ، أَمَّا الصَّائِمُ فَأَمْرُهُ بِالتَّرْكِ الْمُؤَدِّي لِإِفْطَارِهِ وَبُطْلَانِ صَلَاتِهِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي، وَلِإِفْطَارِهِ فَقَطْ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ - لَا وَجْهَ لَهُ. ثُمَّ رَأَيْت أَخَاهُ صَالِحًا قَالَ: مَحَلُّهُ فِي الْمُفْطِرِ، وَإِلَّا ارْتَكَبَ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ، وَلَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَالتَّرْكُ يُبْطِلُهُمَا اهـ.

وَدَعْوَاهُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ إذَا مَجَّ فَظَهَرَ حَرْفَانِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ بِوُجُوبِ الْمَجِّ، فَإِنْ تَرَكَهُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ لَزِمَ إظْهَارُ حَرْفَيْنِ لِتَصْحِيحِ الصَّوْمِ، وَكَذَا الصَّلَاةُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ إظْهَارَهُمَا لَا يَضُرُّ لِضَرُورَةٍ؛ كَتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهُنَا صَوْنُ الصَّوْمِ عَنْ الْإِبْطَالِ وَاجِبٌ، وَقَلْعُ النُّخَامَةِ مِنْ الظَّاهِرِ مُبْطِلٌ، وَكَانَ لَفْظُهَا ضَرُورِيًّا فَلَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ؛ وَإِنْ تَضَمَّنَ إظْهَارَ حَرْفَيْنِ اهـ.

انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْهَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَمَّا فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ سَتَرَ وَرِكَهُ الَّذِي يَلِي الْأَرْضَ بِهَا فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا انْكَشَفَ بَعْضُ وَرِكِهِ فِي تَشَهُّدِهِ مَثَلًا فَسَتَرَهُ فَوْرًا بِإِلْصَاقِهِ بِالْأَرْضِ، فَالظَّاهِرُ - وِفَاقًا لِبَعْضِهِمْ - أَنَّهُ يَكْفِي كَالسَّتْرِ بِيَدِهِ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي حُفْرَةٍ ضَيِّقَةِ الرَّأْسِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِ الْمُصَلِّي: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَنَحْوِهَا، لِدَاخِلٍ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ لِذَلِكَ؛ لِلْإِعْلَامِ بِفَرَاغِ مُدَّةِ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ، هَلْ تَحْرُمُ أَوْ تُكْرَهُ؟ وَهَلْ قَالَ أَحَدٌ إنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ، كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ؟ .

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَلْ، وَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَوْ يَجِبُ، كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ: مِنْ أَنَّ التَّنْبِيهَ فِي الصَّلَاةِ بِنَحْوِ تَسْبِيحٍ أَوْ تَصْفِيقٍ إنْ كَانَ لِوَاجِبٍ فَوَاجِبٌ، أَوْ لِمُسْتَحَبٍّ فَمُسْتَحَبٌّ، أَوْ لِحَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ.

وَإِذَا جَرَى هَذَا فِي الْمُصَلِّي جَرَى فِي غَيْرِهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى. وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ وَالذِّكْرَ فِي الصَّلَاةِ جَازَ - صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَصْدَ الْإِعْلَامِ وَحْدَهُ لِغَيْرِ الْمُصَلِّي لَا يَحْرُمُ، بَلْ وَكَذَا لِلْمُصَلِّي إنْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهَا.

وَحُرْمَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْفَرْضِ لَيْسَ إلَّا لِكَوْنِ تَعَمُّدِ قَطْعِهِ حَرَامًا، وَتَوَهُّمُ اغْتِفَارِ قَصْدِ الْإِعْلَامِ مَعَ الذِّكْرِ لِلْمُصَلِّي إنَّمَا هُوَ لِحُرْمَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ يُبْطِلُهُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْإِفْهَامِ بِالْإِشَارَةِ، وَلَمْ يَنْظُرُوا لِذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْجُنُبَ لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>