الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَة وَالذِّكْرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِمَا.
وَإِنَّمَا أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا بِمَا لَا يَلِيقُ طَلَبًا لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَالتَّحْقِيقِ وَلِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ مُوَاظِبُونَ عَلَيْهَا فَالْمَسْئُول كَشَفَ ذَلِكَ بِمَا هُوَ الْأَلْيَقُ لِلْمُتَجَرِّدِ لِلْعِبَادَةِ بَعْدَ أَدَاءِ نَوَافِلِ الْوَقْتِ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَإِنَّمَا تُسَنُّ الْإِعَادَة مَرَّةً فَقَطْ فَفِي الْخَادِمِ كَالتَّوَسُّطِ أَنَّ الْإِمَامَ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِعَادَة إنَّمَا تُسَنُّ مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ يَعْنِي الْإِمَام وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِغْرَاق الْوَقْتِ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ قَالَ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ يُفْهَمُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَعِبَارَته وَيُصَلِّي الرَّجُلُ قَدْ صَلَّى مَرَّةً مَعَ الْجَمَاعَة كُلَّ صَلَاةٍ فَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّةً ظَاهِرٌ فِي الِاحْتِرَاز عَمَّنْ صَلَّى مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَبِهَذَا يُعْلَمُ تَزْيِيفُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ التَّقْيِيد بِمَرَّةٍ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَمْ يَعْتَمِدْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ سِوَى الْأَذْرَعِيِّ وَالْمُعْتَمَد اسْتِحْبَاب الْإِعَادَة مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّات اهـ. فَقَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ إلَخْ يَرُدُّهُ وُجُودُهُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَظُهُورُ النَّصِّ فِيهِ وَقَوْلُهُ لَمْ يَعْتَمِدْهُ إلَخْ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ وَرَدَّهُ وَكَفَى بِاعْتِمَادِ الْأَذْرَعِيِّ لَهُ مَعَ قَوْلِهِ إنَّ قُوَّةَ كَلَامِ الْإِمَامِ يُرْشِدُ إلَيْهِ. عَلَى أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ حَكَى عَنْ الْأَصْحَاب مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّقْيِيد بِالْمَرَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ لِلْوَجْهِ الْقَائِلِ بِمَنْعِ الْإِعَادَة لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ دَلِيلًا وَتَعْلِيلًا أَمَّا الدَّلِيلُ فَخَبَرُ أَبِي دَاوُد «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» وَأَمَّا التَّعْلِيل فَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِعَادَة لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَة وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ.
وَلَوْ قِيلَ بِالْإِعَادَةِ لَقِيلَ إنَّهُ يُعِيدُهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَرَابِعَةً وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ اهـ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمُلَازَمَةَ الَّتِي أَوْرَدَهَا قَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْأَصَحِّ تَجِدْهَا مَعَ رِعَايَةِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ غَالِبًا إلَّا فِي مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ صَرِيحَةً فِي امْتِنَاعِ الْإِعَادَة أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَاب الْقَائِلِينَ بِالْأَصَحِّ وَمُقَابِله وَإِلَّا لَمْ تَحْسُنْ الْمُلَازَمَةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَّةٌ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَتَصْوِيرُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا تُسْتَحَبُّ إذَا حَضَرَ فِي الثَّانِيَة مَنْ لَمْ يَحْضُرْ فِي الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِغْرَاق ذَلِكَ لِلْوَقْتِ وَقَدْ يُقَالُ بِالِاسْتِحْبَابِ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَئِمَّة اهـ وَقَدْ نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقُولَ تُسَنُّ الْإِعَادَة مَرَّةً فَقَطْ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِغْرَاق وَإِنْ قَالَ بِالثَّانِي فَالِاسْتِغْرَاقُ لَازِمٌ لَهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَعَجِيبٌ مِنْ شَيْخِنَا حَيْثُ اعْتَمَدَ نَدْبَ الْإِعَادَة مَرَّةً فَقَطْ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَهُ عَقِبَ ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَحَلَّ سَنِّهَا حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهَا مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا وَإِلَّا فَقَدْ تَحْرُمُ وَقَدْ تُكْرَهُ وَقَدْ تَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمِنْهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمَنْقُول الْمَنْصُوص عَلَيْهِ أَنَّ الْإِعَادَة لَا تُسَنُّ إلَّا مَرَّةً أَمَّا كَوْنُهُ الْمَنْقُول فَلِأَنَّ الْأَصْحَاب الْمَذْكُورِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرْته وَأَمَّا كَوْنُهُ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلِقَوْلِهِ السَّابِقِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ قَدْ صَلَّى مَرَّةً مَعَ الْجَمَاعَة كُلَّ صَلَاةٍ فَقَوْلُهُ قَدْ صَلَّى مَرَّةً لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَائِدَةٌ وَإِلَّا كَانَ لَغْوًا.
وَالشَّافِعِيُّ مِنْ أَعْلَامِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ بِلُغَاتِهِمْ فَلَا يَقَعُ مِنْهُ هَذَا التَّقْيِيد وَهُوَ قَوْله مَرَّةً إلَّا لِفَائِدَةٍ هِيَ تَقْيِيدُ نَدْبِ الْإِعَادَة بِالْمَرَّةِ حَتَّى لَوْ صَلَّى مَرَّتَيْنِ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الثَّالِثَة فَصَحَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ التَّقْيِيد بِالْمَرَّةِ هُوَ الْمَنْقُول عَلَيْهِ وَيُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ أَيْضًا أَنَّ التَّعْلِيل بِاسْتِغْرَاقِ الْوَقْتِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ لَا مِنْ كَلَامِ شَيْخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَلَكِنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدّ عَلَيْهِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مِنْ اسْتِشْكَاله بَلْ ضَمَّ إلَيْهِ ضَمِيمَةً تُوَضِّحُ الْمُرَادَ.
وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ أَيْ: مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالهمْ الْعَلِيَّة وَهِمَمِهِمْ الزَّكِيَّة وَمُثَابَرَتِهِمْ عَلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَات سِيَّمَا الصَّلَوَات فَلَوْ كَانَتْ الْإِعَادَة أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ مَشْرُوعَةً لَبَادَرُوا إلَيْهَا وَلَفَعَلُوهَا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَنْهَا جُمْلَةً كَانَ فِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَحِينَئِذٍ مَعْنَى التَّعْلِيل بِاسْتِغْرَاقِ الْوَقْتِ أَنَّهُ لَوْ طُلِبَتْ إعَادَةٌ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ لَطُلِبَ مِنْ الشَّخْصِ اسْتِغْرَاق الْوَقْتِ بِهَا وَهَكَذَا فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ لِأَنَّك إذَا فَرَضْته صَلَّى الظُّهْرَ أَوَّلَ وَقْتِهَا سُنَّ لَهُ إعَادَتُهَا إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ