فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ سُنَّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِهَا ثُمَّ إعَادَتُهَا إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ فَعَلَ كَذَلِكَ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ فَعَلَ كَذَلِكَ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الصُّبْحِ فَعَلَ كَذَلِكَ فَلَزِمَ اسْتِغْرَاق جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ وَفَاتَتْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَطْلُوبَاتِهِ وَمُهِمَّاتِهِ وَالْإِعَادَةُ لَيْسَتْ مِنْ السُّنَنِ الْمُتَأَكَّدَةِ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي امْتِنَاعِهَا فَلَا يَفُوتُ لِأَجْلِهَا مَطْلُوبَاتٌ أَهَمُّ مِنْهَا وَمِنْ ثَمَّ قَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ سَنَّ الْإِعَادَة مَعَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِنَدْبِهَا إلَّا مَرَّةً بِمَا إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا قَالَ وَإِلَّا فَقَدْ تَحْرُمُ وَقَدْ تُكْرَهُ وَقَدْ تَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى اهـ.
فَإِنْ قُلْتَ ذَلِكَ الِاسْتِغْرَاقُ إنَّمَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْمَنْعِ فِي حَقٍّ غَيْرِ مُنْقَطِعٍ لِلْعِبَادَةِ لَا شُغْلَ لَهُ غَيْرُهَا أَمَّا هُوَ فَمَا وَجْهُ الْمَنْعِ فِيهِ قُلْتُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِعَادَةَ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَصْلِ جَوَازِهَا فَضْلًا عَنْ تَكْرِيرِهَا فَالْأَوْلَى بِالتَّعَبُّدِ الْمَذْكُورِ الْإِعْرَاض عَنْهَا وَالِاشْتِغَالُ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا حَتَّى مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَهِيَ النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ إذْ الِاشْتِغَالُ بِهَا وَاسْتِغْرَاقُ غَيْرِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَة بِهَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بَلْ نَدْبِهِ فَكَانَ اللَّائِقُ بِهِ أَنْ يُمْنَعَ مِمَّا فِي جَوَازِهِ الْخِلَافُ الْقَوِيُّ وَيُؤْمَرُ بِالِاشْتِغَالِ بِمَا لَا خِلَافَ فِي فَضْلِهِ وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ وَهُوَ النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ وَنَحْوُهَا فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِأَحَدٍ إلَى أَنْ تُبَاحَ لَهُ الْإِعَادَة أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. فَتَأَمَّلْهُ لِيُفْهَمَ مِنْهُ حِكْمَةُ مَنْعِ الْإِعَادَة أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَهَلْ يُحْكَمُ عَلَى مَنْ زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ بِالْكَرَاهَةِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّا حَيْثُ قَيَّدْنَا بِالْمَرَّةِ قُلْنَا إنَّ الزِّيَادَة عَلَيْهَا مُحَرَّمَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَتَى انْتَفَى الطَّلَبُ عَنْهَا لِذَاتِهَا كَانَتْ فَاسِدَةً فَيَحْرُمُ التَّلَبُّسُ بِهَا عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ التَّلَبُّسَ بِالْعِبَادَةِ الْفَاسِدَة حَرَامٌ بَلْ لَوْ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ كَانَتْ فَاسِدَةً أَيْضًا نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِي الصَّلَاة الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوه أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْكَرَاهَة لِلتَّنْزِيهِ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ نَحْوَ ذَلِكَ. فَقُلْتُ فِيهِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِل كَثِيرَةٍ أَبْدَيْتُهَا هُنَا لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا ثُمَّ رَأَيْتُ مَا يُوَافِقُ مَا أَبْدَيْتُهُ. سَادِسُهَا أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ مُنْفَرِدًا لَمْ تَنْعَقِدْ إذْ لَا عُذْرَ لَهُ وَالْأَصْلُ مَنْعُ الْإِعَادَة إلَّا لِسَبَبٍ وَلَمْ يُوجَدْ.
وَأَمَّا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْمُزَنِيّ مِنْ إعَادَةِ الَّتِي تَفُوتُهُ مَعَ الْجَمَاعَة خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً فَهُوَ إنْ صَحَّ عَنْهُ اخْتِيَارٌ لَهُ وَهَلْ مِنْ السَّبَبِ وُجُودُ قَوْلٍ بِالْبُطْلَانِ فِي صَلَاتِهِ الْأُولَى لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ. ثُمَّ رَأَيْتُ الْإِسْنَوِيَّ قَالَ أَوَّلَ هَذَا الْكِتَابِ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرَائِضِ عَنْ الصَّلَاةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بِسَبَبٍ مَا كَالشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْجَمَاعَة لَا تَجِبُ فِيهَا قَطْعًا.
وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَحَبُّ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي سَنِّ الْإِعَادَة وَحْدَهُ إذَا كَانَ فِي صَلَاتِهِ الْأُولَى خَلَلٌ وَمِنْهُ جَرَيَانُ خِلَافٍ فِي بُطْلَانِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْقَاضِي لَوْ تَلَبَّسَ بِحَاضِرَةٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَائِتَةً أَتَمَّهَا ثُمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَة ثُمَّ يُعِيدُ الْحَاضِرَةَ اهـ. وَلَا مَلْحَظَ لِإِعَادَةِ الْحَاضِرَةِ حِينَئِذٍ إلَّا الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيب بَلْ صَرَّحَ الْأَصْحَاب بِذَلِكَ حَيْثُ حَمَلُوا أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ رَآهُ يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ بِالْإِعَادَةِ عَلَى النَّدْبِ وَهَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ يَقُولُونَ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ بَلْ عُمُومُ كَلَامِهِمْ رُبَّمَا يَقْتَضِي سَنَّ الْإِعَادَة وَلَوْ مُنْفَرِدًا لِكُلِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا.
وَإِنْ لَمْ يَجْرِ خِلَافٌ فِي الْبُطْلَانِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا اهـ. وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَظَاهِرُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الَّذِي جَاءَ فِي الْإِعَادَة مِنْ السُّنَّةِ إثْبَاتًا وَمَنْعًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ رَأَى فِي آخِرِ الْقَوْمِ رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ فَقَالَ عَلَيَّ بِهِمَا فَأُتِيَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا أَيْ: جَمْعُ فَرِيصَةٍ وَهِيَ لَحْمَةٌ عِنْدَ الْقَلْبِ تَضْطَرِبُ لِلْخَوْفِ فَقَالَ مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا فَقَالَ إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَاهَا مَعَهُمْ. فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَنَّ مُعَاذًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ صَلَاتِهِ الْعَصْرَ رَجُلٌ إلَى الْمَسْجِدِ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ فَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَهَذَا الْمُتَصَدِّقُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute