للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فَلِيُصَلِّ إلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ» أُعِلَّ بِالْوَقْفِ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ الَّذِي وَصَلَهُ ثِقَةٌ اهـ وَيُجَابُ بِأَنَّ خَبَرَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ السَّابِقِينَ أَصَحُّ فَقُدِّمَا وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَمَا مَرَّ لَكِنْ بِلَفْظِ «أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى الْبَلَاطِ أَيْ: مَحَلٍّ بِالْمَدِينَةِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقُلْت أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ قَالَ قَدْ صَلَّيْت إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْعِ أَصْلِ الْإِعَادَة مُطْلَقًا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِمَنْعِ الْإِعَادَة مَعَ الْجَمَاعَة إلَّا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ. وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمُصَرِّحَةِ بِنَدْبِهَا وَكَأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ ابْنَ عُمَرَ وَمَنْ وَافَقَهُ فَأَخَذُوا بِالْعُمُومِ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ «يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ جِئْت وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ فَجَلَسْت وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَانْصَرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى يَزِيدَ جَالِسًا فَقَالَ أَلَمْ تُسْلِمْ يَا يَزِيدُ قُلْت بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَسْلَمْتُ قَالَ فَمَا مَنَعَك أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِي صَلَاتِهِمْ قَالَ كُنْتُ صَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي وَأَنَا أَحْسَبُ أَنْ قَدْ صَلَّيْتُمْ فَقَالَ إذَا جِئْت إلَى الصَّلَاةِ فَوَجَدْت النَّاسَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَإِنْ كُنْت قَدْ صَلَّيْتَ تَكُنْ لَك نَافِلَةً وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ فَلْيُصَلِّ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ» وَبِهَذَا كَالْأَحَادِيثِ السَّابِقَة يَتَّضِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ الْأُولَى لَا الثَّانِيَة خِلَافًا لِمَنْ اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْمُعَادَة هِيَ الْفَرْضُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِعَادَة وَبَيَانِ الْحُجَّةِ فِيهَا وَالْجَوَابِ عَنْهَا وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ الْإِعَادَة؛ لِأَنَّهُ رَتَّبَهَا عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِب فَلْتَتَكَرَّرْ بِتَكَرُّرِهِ وَقِيَاسًا عَلَى خَبَرِ إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ. وَعَلَى الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَجَوَابُهُ مَنْعُ مَا عَلَّلَ بِهِ وَمَنْعُ قِيَاسِهِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَحَلَّ تَكَرُّرِ الْمُسَبَّب بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ التَّكَرُّرِ مَانِعٌ وَهُنَا مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْإِعَادَة عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا سَبَبٌ يَتَكَرَّرُ كَمَا سَيَتَّضِحُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْإِعَادَة هُوَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ قَالُوا بِامْتِنَاعِهَا عَمَلًا بِذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُوَافِقِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا امْتِنَاعُ الْإِعَادَة مَعَ الِانْفِرَادِ كَمَا مَرَّ وَامْتِنَاعُهَا لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ عَلَى وَجْهٍ قَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا.

فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِعَادَة عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْأَصْلَ امْتِنَاعُهَا لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ بِهَا النَّصُّ فِيمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً اسْتَنْبَطَ الْأَئِمَّةُ لِذَلِكَ سَبَبًا فَقَالُوا وَإِنَّمَا سُنَّتْ الْإِعَادَة فِيمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَة فِي فَرِيضَةِ الْوَقْتِ حَتَّى كَأَنَّهَا فُعِلَتْ كَذَلِكَ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَفِيمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لِاحْتِمَالِ اشْتِمَالِ الثَّانِيَة عَلَى فَضِيلَةٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْأُولَى وَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى أَكْمَلُ فِي الظَّاهِرِ اهـ.

فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ دَالًّا عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي الْأَوَّلِ هُوَ تَحْصِيلُ الْجَمَاعَة فِي فَرْضِهِ وَفِي الثَّانِي هُوَ رَجَاءُ مَا ذُكِرَ وَهَذَا غَيْرُ مُتَكَرِّرٍ.؛ لِأَنَّهُ بِإِعَادَتِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ حَصَلَتْ لَهُ الْجَمَاعَة فِي فَرْضِهِ وَالرَّجَاءُ الْمَذْكُورُ فَإِذَا أَعَادَهَا مَرَّةً أُخْرَى كَانَتْ هَذِهِ الْإِعَادَة وَاقِعَةً بِلَا سَبَبٍ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْجَمَاعَة فِي فَرْضِهِ وَالرَّجَاءَ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يَتَكَرَّرَانِ وَقَدْ مَرَّ لَنَا أَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْإِعَادَة إلَّا لِسَبَبٍ وَلَا سَبَبَ هُنَا لِلْإِعَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فَامْتَنَعَتْ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ السَّابِقَةَ مُطْلِقَةٌ لِلْإِعَادَةِ وَمُرَتِّبَة لَهَا عَلَى الصَّلَاةِ الْأُولَى مَعَ الِانْفِرَادِ أَوْ الْجَمَاعَة وَمِنْ قَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَسْتَنْبِطُ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ أَوْ يُعَمِّمُهُ وَلَا يَسْتَنْبِطُ مِنْهُ نَصًّا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْبُطْلَانِ.

فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ تَشْمَلُ تَكَرُّرَ الْإِعَادَة بِطَرِيقِ الْعُمُومِ لِكَوْنِهَا وَقَائِعَ قَوْلِيَّةً لَكَانَتْ تِلْكَ الْعِلَلُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مُوجِبَةً لِتَخْصِيصِهَا بِالْمَرَّةِ الْأُولَى كَمَا بَيَّنْته قَرِيبًا بِقَوْلِي فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ إلَخْ فَاتَّضَحَ وَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ الزِّيَادَة وَوَجْهُ التَّقْيِيد بِالْمَرَّةِ وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي مَنْعَ الْقِيَاسِ عَلَى الْخَبَرِ وَالْآيَةِ الْمَذْكُورَيْنِ فَلِأَنَّ الْأَدِلَّة فِي تِينِكَ قَامَتْ عَلَى التَّكَرُّرِ صَرِيحًا وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ بِخِلَافِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ الْإِذْعَانُ لِمَا قَالَهُ بِذِكْرِ مِثْلِهِ وَهَذَا لَا يَتَقَيَّدُ بِأَوَّلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>