للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا بِغَيْرِهِ فَسُنَّ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا الْآيَةُ فَالْأَمْرُ فِيهَا مُعَلَّقٌ بِسَبَبٍ هُوَ الْجَنَابَةُ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ إجْمَاعًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا يَقْتَضِي فَوْرًا وَلَا تَكْرَارًا لَكِنَّهُ إذَا عُلِّقَ بِسَبَبٍ فَتَارَةً يَدُلُّ الدَّلِيلُ عَلَى تَكَرُّرِهِ بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ كَسَمَاعِ الْمُؤَذِّنِ وَالْجَنَابَةِ فَيَتَكَرَّرُ الْمُسَبِّب وَهُوَ الْإِجَابَةُ وَالتَّطَهُّرُ لِشَهَادَةِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ لِلتَّكَرُّرِ وَتَارَةً يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَكَرُّرِ السَّبَبِ بِمُقْتَضَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا تَكَرُّرَ فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ أَخْبَارِ الْإِعَادَة وَأَخْبَارِ إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَنَحْوِهَا وَانْدَفَعَ مَا رَتَّبَ السَّائِلُ إشْكَالَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ تَكَرَّرَ فِي أَخْبَارِ الْإِعَادَة فَاقْتَصَرْنَا بِهَا عَلَى الْأَمْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فَقَطْ وَلَمْ نُجَوِّزْهَا فِي غَيْرِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ الَّذِي أَقَمْنَا عَلَيْهِ الدَّلَائِل السَّابِقَةِ فَلْيَتَأَمَّلْ السَّائِلُ وَفَّقَهُ اللَّهُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْجَوَابُ حَقَّ التَّأَمُّلِ فَإِنَّهُ يَتَّضِحُ لَهُ الصَّوَابُ وَيَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ وَرْطَةِ الشَّكِّ وَالِارْتِيَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّنْ سَجَدَ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَتِهِ لِتِلَاوَةِ إمَامِهِ مَعَهُ فَلَمَّا عَادَ مِنْ السُّجُودِ اسْتَأْنَفَ الْفَاتِحَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إمَّا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُوَسْوَسًا فَرَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ إتْمَامِهِ الْفَاتِحَةَ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ. وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَعَمَّنْ انْتَظَرَ سَكْتَةَ الْإِمَامِ لِيَقْرَأ فِيهَا الْفَاتِحَةَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ عَقِبَ فَاتِحَتِهِ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا.

وَقَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالنَّاسِي خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي سُقُوطِ الْفَاتِحَةِ اهـ. هَلْ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالنَّاسِي أَوْ لَا كَالْمُشْتَغِلِ بِسُنَّةٍ حَتَّى يَقْرَأَ قَدْرَ السَّكْتَةِ وَيُعْذَر؛ لِأَنَّ هَذِهِ السَّكْتَةَ سُنَّةٌ وَمَا مُرَادُ الزَّرْكَشِيّ بِسُقُوطِ الْفَاتِحَةِ أَهُوَ إذَا كَانَ مَسْبُوقًا أَوْ لَا وَمَا هُوَ الْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَلَى أَيِّ الْعَمَلِ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ أَدْرَكَ مِنْ قِيَامِ الْإِمَامِ قَبْلَ رُكُوعِهِ سَوَاءٌ مَا قَبْلَ السُّجُودِ وَمَا بَعْدَهُ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ بِالنِّسْبَةِ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَأَطَلْتُ الِاسْتِدْلَالَ لَهُ وَلِتَزْيِيفِ غَيْرِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ مُوَافِقٌ فَيَتَخَلَّف وُجُوبًا وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَإِلَّا لَغَتْ رَكْعَتُهُ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ مَا لَمْ يَقُمْ الْإِمَامُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَة وَيَجْلِسُ إنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ أَوْ يَتِمُّ انْتِصَابُهُ قَائِمًا إنْ أَرَادَ الْقِيَامَ فَمَتَى وَصَلَ لِذَلِكَ قَبْلَ إتْمَامِهِ الْفَاتِحَةَ تَابَعَهُ وُجُوبًا وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ.

وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ كُلَّهَا. كَمَا ذُكِرَ فَهُوَ مَسْبُوقٌ فَمَتَى فَاتَهُ إدْرَاكُ الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ وَمَتَى تَخَلَّفَ بَعْدَ قِيَامِ إمَامِهِ مِنْ الرُّكُوعِ لِإِتْمَامِ فَاتِحَتِهِ إلَى أَنْ هَوَى إمَامُهُ لِلسُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ الشَّهِيرِ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا كُلُّهُ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَأَمَّا الْمُوَسْوِسُ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَعَادَ الْفَاتِحَةَ لِمُوجِبٍ بِأَنْ شَكَّ فِي بَعْضِهَا فَكَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُتَخَلِّفٌ لِوَاجِبٍ إذْ الشَّكُّ فِي بَعْضِهَا قَبْلَ فَرَاغِهَا يُوجِبُ إعَادَةَ مَا مَضَى مِنْهَا.

وَإِنْ كَانَ يُكَرِّرُ أَلْفَاظَهَا أَوْ يُعِيدُهَا لِغَيْرِ مُوجِبٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأَخُّرُ إلَّا لِتَمَامِ رُكْنَيْنِ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ فَإِنْ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ. قَبْلَ هُوِيِّهِ لِلسُّجُودِ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا رَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَلَحِقَهُ وَأَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ الْهُوِيَّ لِلسُّجُودِ وَهُوَ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْفَاتِحَةِ لَزِمَتْهُ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِي حَقِّهِ وَاجِبَانِ إتْمَامُ الْفَاتِحَةِ وَمُتَابَعَة الْإِمَامِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَزِمَهُ السَّعْيُ فِي تَصْحِيحِ صَلَاتِهِ وَهُوَ هُنَا لَا يُمْكِنُهُ إلَّا نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ فَلَزِمَتْهُ وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَ فَإِنْ فَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ فَوَاتِ الرُّكُوعِ رَكَعَ وَأَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَإِلَّا كَمَّلَ إلَى أَنْ يَهْوِيَ الْإِمَامُ لِلسُّجُودِ فَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ الْمُفَارَقَةُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ. وَاطْرُدْهُ فِيمَا يُشَابِهُهُ كَالْمُشْتَغِلِ بِنَحْوِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذِ وَالْأَوْجَهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ.

وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْبَحِيُّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُنْتَظِرَ سَكْتَةَ الْإِمَامِ لِيَقْرَأ فِيهَا الْفَاتِحَةَ فَرَكَعَ إمَامُهُ عَقِبَهَا أَنَّهُ كَالنَّاسِي بِجَامِعِ عُذْرِهِمَا فَيَكُونُ كَبَطِيءِ الْقِرَاءَة حَتَّى يَتَخَلَّفَ لِقِرَاءَتِهَا مَا لَمْ يُتِمَّ انْتِصَابَهُ أَوْ جُلُوسَهُ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ بِسُقُوطِهَا عَنْهُ بَعِيدٌ إذْ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنَّهُ مَعْذُورٌ بِفِعْلِ السُّنَّةِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْمَعْذُور وَالْمُدْرِكِ لِزَمَنٍ يَسَعُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَنَّهُ يَتَخَلَّفُ لِقَرَاءَتِهَا مَا لَمْ يَقُمْ الْإِمَامُ أَوْ يَجْلِسْ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْذُور كَالْمُوَسْوِسِ السَّابِقِ وَكَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>