وَإِلَّا وَجَبَتْ فِيهَا إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً وَسُنَّتْ إنْ كَانَتْ سُنَّةً وَحِينَئِذٍ فَالْمُجْتَمِعُونَ عَلَى الْقِرَاءَة إنْ كَانَ فِي عَزْمِهِمْ عَدَمُ الْخُرُوجِ مِنْهَا فَوْرًا سُنَّ لَهُمْ السُّجُودُ وَيَكُونُ خَوْفُ خُرُوجِ وَقْتِ السُّجُودِ بِطُولِ الْفَصْلِ رَافِعًا لِكَرَاهَتِهِ فِي الْمَقْبَرَةِ كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِي عَزْمِهِمْ الْخُرُوجُ مِنْهَا فَوْرًا سُنَّ لَهُمْ تَأْخِيرُ السُّجُودِ إلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا وَكُرِهَ لَهُمْ فِيهَا إذْ لَا عُذْرَ حِينَئِذٍ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ حَدِيثِ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ النَّفْيِ فِي خَبَرِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ هَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِمَعْنَى نَفْيِ الْكَمَالِ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَصِحُّ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ أَيْ: لَا صَلَاةَ كَامِلَةٌ حِينَئِذٍ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ أَوْ لَا تُصَلُّوا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فَقَدْ أَبْعَدَ بَلْ وَهِمَ وَلَعَلَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ صَلَاةَ غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مُنْعَقِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَة تَنْزِيهِيَّةٌ لَا لِذَاتِ الصَّلَاةِ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا وَهُوَ تَفْوِيتُ فَضِيلَةِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَام وَغَيْرِهَا مَعَ الْإِمَامِ. فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ النَّفْيُ لِلْكَمَالِ تُؤْخَذُ الْكَرَاهَة الَّتِي ذَكَرُوهَا مِنْ أَيْنَ قُلْت تُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِنَفْيِ الْكَمَالِ إلَّا ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ النَّاهِي لِمَنْ أَرَادُوا بَيْعَ دُورِهِمْ لِبُعْدِهَا عَنْ الْمَسْجِدِ مَعَ تَرْغِيبِهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ بِكُلِّ خُطْوَةٍ دَرَجَةٌ وَحَدِيثِ الْأَبْعَدُ فَالْأَبْعَدُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ أَجْرًا هَلْ يُعَارِضَانِ حَدِيثَ أَحْمَدَ فَضْلُ الدَّارِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْمَسْجِدِ عَلَى الدَّارِ الشَّاسِعَةِ كَفَضْلِ الْغَازِي عَلَى الْقَاعِدِ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُعَارِضَانِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مَفْرُوضٌ فِي حَالَةٍ تَخُصُّهُ فَالْأَوَّلَانِ فِيمَا إذَا اُحْتِيجَ لِلْبُعْدِ لِحِرَاسَةِ الْبَلَدِ. أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَالْأَخِيرُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي سُكْنَى الْبَعِيدِ حَاجَةٌ وَاسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمَّا وَرَدَتْ فِي تَفْضِيلِ مَيَامِنِ الصُّفُوفِ رَغِبَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَعَطَّلُوا مَيْسَرَةَ الْمَسْجِدِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مَيْسَرَةَ الْمَسْجِدِ قَدْ تَعَطَّلَتْ فَقَالَ مَنْ عَمَّرَ مَيْسَرَةَ الْمَسْجِدِ كُتِبَ لَهُ كِفْلَانِ مِنْ الْأَجْرِ فَأَعْطَى أَهْلَ الْمَيْسَرَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ضِعْفَ مَا لِأَهْلِ الْمَيْمَنَةِ مِنْ الْأَجْرِ وَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ.
وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِذَلِكَ لَمَّا تَعَطَّلَتْ تِلْكَ الْجِهَةُ فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ الْأَصْلُ تَفْضِيلُ الْقَرِيبَة مِنْ الْمَسْجِدِ عَلَى الْبَعِيدَةِ مِنْهُ فَلَمَّا ثَبَتَ لَهَا هَذَا الْفَضْلُ رَغِبَ كُلٌّ مِنْ النَّاسِ فِي ذَلِكَ. حَتَّى «أَرَادَ بَنُو سَلَمَةَ أَنْ يُعَرُّوا ظَاهِرَ الْمَدِينَةِ وَيَقْرُبُوا مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَرِهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ الْفَضْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَنَزَلَ فِيهِمْ {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: ١٢] فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَزَلَتْ الْآيَةُ يَا بَنِي سَلَمَةَ دِيَارُكُمْ تَكْتُبُ آثَارَكُمْ» وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ تَأْيِيدُ مَا كُنْتُ دَائِمًا أَبْحَثُهُ وَأُقْرِرْهُ أَنَّ مَحَلَّ أَفْضَلِيَّةِ أَيْمَنِ الصُّفُوفِ مَا إذَا جَاءَ الْمَأْمُومُ وَرَأَى الصُّفُوفَ قَدْ صُفَّتْ أَوْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى الْمُسَابَقَةِ لِذَلِكَ خُلُوُّ مَيَاسِرِ الصُّفُوفِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَفْضُولًا لِئَلَّا يَرْغَبَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَنْهُ وَيُقَاسُ بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا. أَنَّ صُفُوفَ الْجِنَازَةِ الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ مُتَسَاوِيَة فِي الْفَضْلِ لِئَلَّا يَرْغَبَ النَّاسُ عَنْ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَيَفُوتَ عَلَى الْمَيِّتِ فَضِيلَةُ جَعْلِ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ وَلِمَا اسْتَدْرَكْتُهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ جَاءَ أَوَّلًا.
أَمَّا مَنْ جَاءَ وَقَدْ صُفَّتْ الثَّلَاثَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَحَرَّى أَوَّلُهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ آنِفًا.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ يَكُونُ إمَامًا لَا مَأْمُومًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ أَعْمَى أَصَمُّ لَيْسَ بِإِزَائِهِ أَحَدٌ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِغَيْرِهِ وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْغَيْرِ بِهِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ قَالَ التَّاجُ فِي أَلْغَازِهِ
وَقَائِلٍ لَا قِصَاصَ فِي الشُّعُورِ بَلَى ... إنَّ الْقِصَاصَ لَفِي شَعْرٍ وَفِي ظُفْرٍ
؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوَّلُ فِي نَحْوِ الْجَائِفَةِ وَغَيْرِ الْمُوضِحَةِ وَالثَّانِي الْقِصَاصُ فِيهِ مِنْ قَصَّ الشَّعْرَ يَقُصُّهُ وَفِي الْحَدِيثِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُ عَلَى قِصَاصِ الشَّعْرِ» وَهُوَ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح مُنْتَهَى شَعْرِ الرَّأْسِ حَيْثُ يُؤْخَذُ بِالْمِقَصِّ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّا إذَا لَحِقَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ ثُمَّ خَرَجَ إمَامُهُ مِنْ صَلَاتِهِ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ لِمُلَاقَاةِ نَجَاسَةٍ لَهُ.