للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْمَسْجِدِ مُحْجَرًا عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ وَأَنَّهَا مِنْهُ وَأَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ وَغَيْرَهُ نَقَلُوا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ صِحَّةَ الِاعْتِكَافِ فِيهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَاب عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ صَلَّى فِيهَا مُقْتَدِيًا بِإِمَامِ الْمَسْجِدِ صَحَّ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ؛ لِأَنَّهَا مِنْهُ كَمَا مَرَّ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي بِبَابِ جَامِعِ دِمَشْقَ الْمُسَمَّى بِبَابِ السَّاعَات رَحْبَةٌ وَخَالَفَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ذَاهِبًا إلَى أَنَّهَا صَحْنُ الْمَسْجِدِ وَطَالَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَتَأَمَّلْت مَا صَنَعَهُ أَبُو عَمْرٍو وَاسْتِدْلَالَهُ فَلَمْ أَرَ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى الْمَقْصُودِ اهـ. وَلَيْسَتْ تُوجَدُ لِكُلِّ مَسْجِدٍ وَصُورَتُهَا أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ بُقْعَةً مَحْدُودَةً مَسْجِدًا ثُمَّ يَتْرُكَ مِنْهَا قِطْعَةً أَمَامَ الْبَابِ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَحْبَةٌ وَكَانَ لَهُ حَرِيمٌ أَمَّا لَوْ وَقَفَ دَارًا مَحْفُوفَةً بِالدُّورِ مَسْجِدًا فَهَذَا لَا رَحْبَةَ لَهُ وَلَا حَرِيمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِجَانِبِهَا مَوَاتٌ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَحْبَةٌ وَحَرِيمٌ وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ تَمْيِيزُهَا مِنْهُ فَإِنَّ لَهَا حُكْمَ الْمَسْجِدِ دُونَهُ وَهُوَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِطَرْحِ الْقِمَامَاتِ وَالزِّبَالَاتِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُوَسْوِسِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاكِّ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ لَكِنْ قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ فِي نُكَتِ الْوَسِيطِ إنَّهَا خَلْفَهُ مَكْرُوهَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَشُكُّ فِي أَفْعَالِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَ غَيْرِهِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ جَمَاعَةً قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَسْوَسَةَ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَقَدْ عَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَامًا بَصَقَ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ الْإِمَامَةِ اهـ.

وَفِي الْوُجُوبِ نَظَرٌ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لَا الْوُجُوبِ عَلَى أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ لَا يَجُوزَ عَزْلُهُ حَيْثُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَضُرَّ بِالْمَأْمُومِينَ بِإِبْطَاءٍ أَوْ تَطْوِيلٍ وَفُرِّقَ بَيْنَ الْوَسْوَسَةِ وَالشَّكِّ بِأَنَّهُ يَكُونُ بِعَلَامَةٍ كَتَرْكِ ثِيَابٍ مِنْ عَادَتِهِ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ عَادَتُهُ التَّسَاهُلُ فِي إزَالَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الطَّهَارَةُ قَدْ عَارَضَهُ غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ وَالِاحْتِيَاطُ هُنَا مَطْلُوبٌ بِخِلَافِ الْوَسْوَسَةِ فَإِنَّهَا الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ عَلَامَةٍ بِأَنْ لَمْ يُعَارِضْ الْأَصْلَ شَيْءٌ كَإِرَادَةِ غَسْلِ ثَوْبٍ جَدِيدٍ أَوْ اشْتَرَاهُ احْتِيَاطًا وَذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَالِاحْتِيَاطُ حِينَئِذٍ تَرْكُ هَذَا الِاحْتِيَاطِ وَبِأَنَّ الْمُوَسْوِسَ يُقَدِّرُ مَا لَمْ يَكُنْ كَائِنًا ثُمَّ يَحْكُمُ بِحُصُولِهِ كَأَنْ يَتَوَهَّمَ وُقُوعَ نَجَاسَةٍ بِثَوْبِهِ ثُمَّ يَحْكُمُ بِوُجُودِهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ.

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ الْوَسْوَسَةُ تَقْدِيرُ مَا لَمْ يَكُنْ إنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ ثُمَّ يَحْكُمُ بِكَوْنِهِ كَائِنًا حَتَّى يَكُونَ الْوَاجِبُ غَسْلَهُ عِنْدَهُ.

وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُوَسْوِسِينَ يُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُحْرِمُ وَهَكَذَا وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ حَرَامَيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنْ كَانَتْ قَدْ صَحَّتْ حَرُمَ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ قَالَ بِهِ كَثِيرُونَ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّهُ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ رَأَى عَلَى نَحْوِ بَدَنِ فَاسِقٍ نَجَاسَةً ثُمَّ رَآهُ يُصَلِّي فَهَلْ لَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَخْبَرَ بِطَهَارَةِ ثَوْبِهِ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ تَعْرِيفِ الْمَسْبُوقِ بِمَنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنًا يَسَعُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ هَلْ ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ أَمْ بِقِرَاءَةٍ مُعْتَدِلَةٍ إذَا كَانَ هُوَ بَطِيءَ الْقِرَاءَة؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَسْبُوقِ وَالْمُوَافِقِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ فِي السُّرْعَةِ وَالْبُطْء وَاَلَّذِي رَجَّحْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَبَيَّنْته فِي غَيْرِهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَصَوَّرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْمُوَافِقَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ كَأَنْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ يَتَخَلَّفُ لِإِتْمَامِهَا مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَر مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَلَوْ اعْتَبَرُوا قِرَاءَةَ نَفْسِهِ لَكَانَ مَسْبُوقًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّف.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمَأْمُومِ إذَا الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُوَافِقًا أَوْ مَسْبُوقًا مَاذَا يَفْعَلُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا شَكَّ الْمَأْمُومُ هَلْ هُوَ مُوَافِقٌ أَوْ مَسْبُوقٌ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا مُنْذُ سِنِينَ مَعَ تَطَلُّبِهِ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي الْآنَ فِيهِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَعَارَضَ مَعَهُ وَاجِبَانِ وَأَصْلَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ وَقَضِيَّته وُجُوبُ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَعَدَمُ جَوَازِ التَّخَلُّف لِإِتْمَامِهَا كَمَنْ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ وَالْأَصْلُ أَيْضًا أَنَّ الْمَأْمُومَ مُخَاطَبٌ بِالْفَاتِحَةِ وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ حَتَّى يَتَحَقَّق أَنَّهُ مَسْبُوقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>