للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ التَّخَلُّف لِإِكْمَالِ الْفَاتِحَةِ وَعَدَمُ جَوَازِ الْمُتَابَعَةِ وَإِذَا تَعَارَضَ أَصْلَانِ وَوَاجِبَانِ وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ مُرَجِّحُ أَحَدِهِمَا ضَعِيفًا أَوْ أَمْكَنَ إلْغَاؤُهُمَا وَالْعَمَلُ بِغَيْرِهِمَا وَجَبَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِع كَثِيرَةٍ وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ لِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ وَتَكُونُ مُفَارَقَةً بِعُذْرٍ فَلَا تَفُوتُ عَلَيْهِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَة وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ جَعَلَ نَفْسَهُ مَسْبُوقًا عَمَلًا بِالْأَصْلِ الْأَوَّلِ فَوَّتَ وُجُوبَ تَكْمِيلِ الْفَاتِحَةِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ الثَّانِي أَوْ مُوَافِقًا نَظَرًا لِلْأَصْلِ الثَّانِي فَوَّتَ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَا مَخْرَجَ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِمَا قُلْنَاهُ. فَإِنْ قُلْت إسْقَاطُ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضِهَا عَنْ الْمَسْبُوقِ وَإِدْرَاكُهُ الرَّكْعَةَ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ فَلِمَ لَمْ يَجْعَلُوهُ مُوَافِقًا قُلْت وَاغْتِفَارُ تَخَلُّفِ الْمُوَافِقِ بِأَكْثَر مِنْ رُكْنَيْنِ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ فَرِّقْ مَنْ يَأْتِي بَيْنَ الشَّكِّ وَالْوَسْوَاسِ؟ فَقَالَ إنَّ مَا يَخْتَصُّ وُقُوعُهُ بِالْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ فَهُوَ وَسْوَاس لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَمَا يَقَعُ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ عَلَى السَّوَاءِ فَهُوَ الشَّكُّ وَكُلّ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ مُتَعَاطِي الْعِبَادَةِ أَنَّهُ يَقَعُ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ فَذَلِكَ هُوَ الْوَسْوَاسُ وَلَيْسَ بِسَهْوٍ وَحُكْمُ السَّهْوِ أَنَّهُ يَجِبُ تَدَارُكُهُ وَأَمَّا الْوَسْوَاسُ فَيَجِبُ تَرْكُهُ.

وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَاسِ وَالظَّنُّ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِيَادِ شَيْءٍ بِالتَّكْرَارِ وَهُوَ ثَلَاثُ مَرَّات فَمَا فَوْقُ وَالْعِبَادَاتُ عِبَارَةٌ عَنْ امْتِثَالِ الْأَوَامِر وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي وَالْأَوَامِرُ هِيَ الْوَاجِبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالْمَنَاهِي الْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا مَضَى مِنْ عِبَادَتِهِ وَإِنْ قَرُبَ الْعَهْدُ بِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الْبَسْمَلَةَ بَعْدَ أَنْ صَارَ فِي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الرُّكُوعَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ فِي الِاعْتِدَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِذَا شَرَعَ الْمُصَلِّي فِي الْإِقَامَةِ ذَاكِرًا لِلصَّلَاةِ الَّتِي يُرِيدُ الشُّرُوعَ فِيهَا فَلَا تَعْزُبُ تِلْكَ النِّيَّةُ وَلَا يُمْكِنُ نِسْيَانُهَا إلَّا لِهُجُومِ حَادِثٍ عَظِيمٍ وَمَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ حِفْظَ أَشْيَاء وَذَكَرَهَا ثُمَّ اعْتَرَاهُ نِسْيَانٌ فِي شَيْءٍ مَخْصُوصٍ فَذَلِكَ هُوَ الْوَسْوَاسُ الَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَعْتَادُ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ حِفْظِ أَشْيَاء وَعَدَمِ نِسْيَانِهَا فَذَلِكَ مِثْلُهَا وَمُجَرَّدُ التَّكْبِيرِ كَافٍ فِي انْعِقَادِ الصَّلَاةِ اهـ. مَا أَوْرَدَهُ سَيِّدُنَا الْفَقِيهُ الْعَلَّامَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ مُحَرِّمُهُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَرَحِمَهُ مِنْ الضَّابِطِ وَالْمَسْئُولِ مِنْ سَيِّدِي حَفِظَهُ اللَّهُ وَزَادَهُ عِلْمًا وَنُورًا وَتَوْفِيقًا وَكَمَالًا أَنْ يَشْرَحَ جَمِيعَ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ بِبَسْطٍ وَإِيضَاحٍ وَتَمْثِيلٍ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِهِ.

وَكُلُّ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ مُتَعَاطِي الْعِبَادَةِ أَنَّهُ يَقَعُ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ. وَقَوْلِهِ وَالظَّنُّ عِبَارَةٌ إلَخْ وَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ الْجَامِعَةِ لِأَقَاوِيلِ الْعُلَمَاء مَا لَفْظُهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ شَكُّهُ فِي ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ يَعْتَادُهُ وَيَتَكَرَّرُ لَهُ بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ ظَنٌّ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ اهـ. وَقَوْلِهِ فِي الضَّابِطِ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا مَضَى مِنْ عِبَادَتِهِ إلَخْ هَلْ مُرَادُهُ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ الشَّكُّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ أَوْ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ تَرْكُهُ أَوْ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ شَكَّ لَمْ يَبْنِ عَلَى الْأَقَلِّ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ.

وَمَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الشَّكُّ بِسَبَبِ مُشَوِّشٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنْ لَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ الشَّكُّ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ فَأَكْثَرُهُ لَا يُوَافِقُ كَلَامَ أَئِمَّتِنَا فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ تَخْصِيصَهُ الْوَسْوَاسَ وَالشَّكَّ بِالْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَجْرِي فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ الْوَسْوَاسَ بِقَوْلِهِ: وَكُلُّ مَا غَلَبَ إلَخْ فَمَمْنُوعٌ وَكَذَا قَوْلُهُ وَأَمَّا الْوَسْوَاسُ فَيَجِبُ تَرْكُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَسْوَاسُ إمَّا مَذْمُومٌ وَهُوَ الْعَمَلُ بِكُلِّ مَا طَرَقَ الذِّهْنَ أَوْ يَتَخَيَّلهُ الْوَهْمُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْأَئِمَّةُ النَّكِيرَ عَلَى فَاعِلِهِ وَأَكْثَرُوا مِنْ ذَمِّهِ وَتَقْبِيحِ طَرِيقِهِ وَذَمِّ مَا هُوَ عَلَيْهِ بَلْ شَبَّهَ بَعْضُهُمْ مَنْ هَذِهِ طَرِيقَتُهُ بِقَوْمٍ مِنْ كُفَّارِ الْهِنْدِ الْمُتَغَالِينَ فِي كُفْرِهِمْ حَتَّى أَنْكَرُوا جَمِيعَ الْحَقَائِق الْمَوْجُودَة الْمُشَاهَدَةِ بِالْحِسِّ وَقَالُوا إنَّهَا كُلَّهَا خَيَالٌ وَبَاطِلٌ وَفَرَّعُوا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ مِنْ الْقَبَائِح الشَّنِيعَةِ الَّتِي يَبْرَأُ عَنْهَا السَّمْعُ وَلَا يَقُولُ بِهَا عَاقِلٌ مَا إهْمَالُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>