شَخْصٍ رَأَى مُصَلِّيًا جَالِسًا فَظَنَّ أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ وَأَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَجَلَسَ مَعَهُ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ جُلُوسَ ذَلِكَ الْمُصَلِّي بَدَلٌ عَنْ الْقِيَامِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ الْقِيَامُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَقَامَ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَسْبُوقِ أَوْ حُكْمَ الْمُوَافِقِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْبُوقِ قِيَاسًا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الشَّهِيرَة بِطُولِ النِّزَاعِ فِيهَا وَهِيَ أَنْ يَظُنّ عِنْدَ سَمَاعِ التَّكْبِيرِ أَنَّهُ لِلتَّشَهُّدِ فَيَجْلِسُ ثُمَّ يَتَذَكَّرُ عِنْدَ تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ. فَأَفْتَى شَيْخُنَا خَاتِمَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَالْكَمَالُ الرَّدَّادُ شَارِحُ الْإِرْشَادِ وَصَاحِبُ الْعُبَابِ وَالْكَمَالُ الْقَادِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَسْبُوقِ وَأَفْتَى السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ وَالْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَالشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ كَالْمُوَافِقِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَالسَّاهِي عَنْ الْقِرَاءَة حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ كَالسَّاهِي عَنْ الْقُدْوَةِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَهُ ذِكْرٌ فَغَلَطُهُ إنَّمَا يَلْحَقُ بِالنَّاسِي لِلْقِرَاءَةِ يُرَدُّ بِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَأْمُوم فِي صُورَةِ النِّزَاعِ وَبَيْنَ السَّاهِي عَنْ الْقِرَاءَة فَإِنَّ السَّاهِيَ عَنْهَا أَدْرَكَ مَحَلَّ الْقِرَاءَة بِالْفِعْلِ فَلَزِمَهُ التَّخَلُّف لَهَا وَغَايَةُ عُذْرِهِ أَنَّهُ مَنَعَ الْبُطْلَانَ بِتَخَلُّفِهِ بِخِلَافِ الْمَأْمُوم فِي مَسْأَلَتنَا وَنَظِيرَتهَا فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّ الْقِرَاءَة بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَنَّ الْإِمَامَ جَالِسًا لِلتَّشَهُّدِ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ الْإِتْيَان بِالْجُلُوسِ فَانْتِقَاله إلَيْهِ كَانْتِقَالِ الْمَزْحُوم لِلْجَرْيِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَكَمَا أَنَّ الْمَزْحُوم بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السُّجُودِ يَكُونُ كَالْمَسْبُوقِ لِعُذْرِهِ بِإِلْزَامِهِ بِالتَّخَلُّفِ الْمُفَوِّت عَلَيْهِ مَحَلَّ الْقِرَاءَة كَذَلِكَ الْمَأْمُوم فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَخَلَّفَ لِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ فَإِذَا فَاتَ بِسَبَبِهِ إدْرَاكُ مَحَلِّ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَة سَقَطَتْ عَنْهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَزْحُوم بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّخَلُّف حَتَّى فَاتَ مَحَلُّ الْقِرَاءَة.
فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْمَزْحُوم مُطَابِقٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُنَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِظَنِّهِ فَقَطْ عَلَى أَنَّهُ بَانَ خَطَؤُهُ وَالظَّنّ وَحْده لَا عِبْرَة بِهِ فِي الْعِبَادَات وَإِنْ لَمْ يَبِنْ خَطَؤُهُ فَمَا بَالُك وَقَدْ بَانَ خَطَؤُهُ قُلْت مَحَلُّ عَدَمِ اعْتِبَارِ الظَّنِّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ.
وَأَمَّا مَا سَقَطَ بِهِ كَالْفَاتِحَةِ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الظَّنُّ إذَا مَنَعَهُ مِنْ إدْرَاكِ مَحَلِّهِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْذَار وَمِنْ ثَمَّ اتَّجَهَ الْفَرْقُ بَيْنَ السَّاهِي عَنْ الْقِرَاءَة وَعَنْ الْقُدْوَةِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ أَدْرَكَ مَحَلَّهَا بِالْفِعْلِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ السَّهْوُ بِخِلَافِ الثَّانِي فَكَانَ غَايَةُ الظَّنِّ أَنَّهُ كَالسَّهْوِ. وَأَلْحَقْنَاهُ بِالسَّهْوِ عَنْ الْقُدْوَةِ كَالْقِرَاءَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مَنْعٌ مِنْ إدْرَاكِ مَحَلِّ الْقِرَاءَة بِالْفِعْلِ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الزَّحْمَةِ شَامِلٌ لِمَنْ ظَنَّ الزَّحْمَةَ فَتَخَلَّفَ ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا زَحْمَةَ فَيَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ إلَّا وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ سَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَة أَوْ وَالْإِمَامُ قَرِيبٌ مِنْ الرُّكُوعِ سَقَطَ عَنْهُ بَعْضُهَا وَحِينَئِذٍ فَيَنْدَفِعُ الْقَوْلُ بِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ أَصْلِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ نَامَ مُتَمَسِّكًا فِي تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ فَانْتَبَهَ فَوَجَدَ إمَامَهُ رَاكِعًا تَخَلَّفَ وَجَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ كَالنَّاسِي لِلْقِرَاءَةِ وَلَا يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَسْبُوقًا. وَلَا فِي حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ تَخَلُّفَهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَتنَا وَرُبَّمَا يُنْسَبُ فِيهِ إلَى تَقْصِير وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ السَّاهِي عَنْ الْقُدْوَةِ.
وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ مَنْ تَخَلَّفَ لِإِكْمَالِ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِقِيَامِ إمَامِهِ فَلَمْ يَقُمْ إلَّا وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ الرُّكُوعِ لَزِمَهُ التَّخَلُّف لِقِرَاءَةِ قَدْرِ مَا فَوَّتَهُ مِنْ الْفَاتِحَة لِتَقْصِيرِهِ بِاشْتِغَالِهِ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَة بِالنِّسْبَةِ فَهُوَ أَشَدُّ تَقْصِيرًا مِنْ مَأْمُومٍ اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْإِمَامِ إذَا تَرَكَ الْفَاتِحَة سَهْوًا فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُوم بِذَلِكَ فَتَابَعَهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ بِظَاهِرِ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا أَوْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ كَانَ أَعْمَى وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِنِسْبَتِهِ إلَى نَوْعِ تَقْصِيرٍ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute