للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَة نَظِيرَ مَا قَالُوهُ أَيْضًا لَوْ اقْتَدَى الْمَأْمُوم بِالْإِمَامِ فِي رَكْعَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَبَانَ الْإِمَامُ سَاهِيًا فِي إتْيَانِهِ بِزَائِدَةٍ قَامَ إلَيْهَا فَقَامَ مَعَهُ جَاهِلًا زِيَادَتَهَا وَأَتَى بِأَرْكَانِهَا كُلِّهَا فَإِنَّهَا تُحْسَبُ لَهُ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ لِخَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ أَشْكَلَ الثَّانِي وَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي أَشْكَلَ الْأَوَّلُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَة كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ حَيْثُ قَالُوا لَوْ بَانَ أَنَّ إمَامَهُ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَام وَلَوْ سَهْوًا لَزِمَ الْمَأْمُوم الْإِعَادَة بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ أَنَّهُ تَرَكَ النِّيَّةَ؛ لِأَنَّ تَرْكَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَام لَا يَخْفَى فَيُنْسَبُ الْمَأْمُوم إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ تَرْكِ النِّيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي مَسْأَلَتنَا فَإِنَّ الْفَاتِحَة وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَإِذَا أَلْزَمُوهُ بِالْإِعَادَةِ فِي تَرْكِ التَّحَرُّم وَلَوْ سَهْوًا فَكَذَلِكَ نُلْزِمُهُ فِي تَرْكِ الْفَاتِحَة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أَنَّ تَرْكَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَخْفَى سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً أَمْ جَهْرِيَّةً إذْ التَّحَرُّم لَا فَرْقَ فِي تَرْكِهِ بَيْنَ السِّرِّيَّة وَالْجَهْرِيَّة لَا يُقَالُ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ تَرْكَ التَّحَرُّم يُوجِبُ عَدَمَ الِانْعِقَادِ بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِرَاءَة؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَلْحَظُ لَسَاوَى النِّيَّةَ. وَقَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا تَخْفَى بِخِلَافِهِ فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمَلْحَظُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ تَرْكَ الْفَاتِحَة كَتَرْكِ التَّحَرُّم.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالنَّصُّ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا لِمَرَضٍ فَزَالَ فِي أَثْنَائِهَا فَلَمْ يَقُمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ دُونَهُمْ وَإِنْ دَامُوا عَلَى مُتَابَعَته مَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ مَعْرِفَةُ قُدْرَتِهِ بِنَحْوِ سُرْعَةِ حَرَكَتِهِ فَحِينَئِذٍ تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَة وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مُبْطِلٍ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ إذَا طَرَأَ كَنِيَّةِ الْقَطْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُوم بِخِلَافِ مَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا كَسُرْعَةِ الْحَرَكَةِ الدَّالَّةِ. عَلَى زَوَالِ الْمَرَضِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَة.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاء بِالْأُمِّيِّ وَلَوْ فِي السِّرِّيَّة وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِحَالِهِ أَيْ: لِإِمْكَانِ الِاطِّلَاع عَلَى حَالِهِ عَادَةً بِخِلَافِ نَحْوِ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَقَوْلُهُمْ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِمَجْهُولِ الْحَالِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِرَاءَةِ مَا لَمْ يُسِرَّ فِي جَهْرِيَّةٍ فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ أَعَادَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوع إذْ الظَّاهِرُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُهَا فَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِهِ لِلْجَهْرِ وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ عَجَزَ إمَامُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَة لِخَرَسٍ فَارَقَهُ وُجُوبًا. بِخِلَافِ عَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأَخْرَسِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُدُوثِ الْخَرَسِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَعَادَ؛ لِأَنَّ حُدُوثَهُ نَادِرٌ بِخِلَافِ حُدُوثِ الْحَدَثِ.

فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ لَحَنَ إمَامُهُ لَحْنًا مُغَيِّرًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَالْمُصَلِّي خَلْفَ جُنُبٍ قُلْت هَذِهِ مَقَالَةٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَصْرِيحهمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْأُمِّيِّ وَلَوْ فِي سِرِّيَّةٍ وَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ وَاللَّحْنُ الْمُغَيِّر أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْأُمِّيِّ فِي نَفْسهَا صَحِيحَةٌ مُطْلَقًا بِخِلَافِ صَلَاةِ اللَّاحِنِ لَحْنًا يُغَيِّرُ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَنْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ فِي رَكْعَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَبَانَ إتْيَانُهُ بِزَائِدَةٍ وَلَوْ عَمْدًا عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ فَإِنْ قَامَ إلَيْهَا فَقَامَ مَعَهُ وَأَتَى بِأَرْكَانِهَا كُلِّهَا فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بَلْ وَتُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ بِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ هُنَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الزِّيَادَة حَالَ وُجُودِهَا؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ ظَنَّهُ فِي أَصْلِيَّةٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا الظَّنُّ إلَّا مَعَ انْتِفَاءِ الْقَرَائِن الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ لِزَائِدَةٍ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنْ تَرَكَهُ لِلتَّحَرُّمِ أَوْ لِلْفَاتِحَةِ عَلَيْهِ قَرَائِنُ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى التَّرْكِ حَالَ وُجُودِهَا وَلَمْ يَقُمْ فِي نَفْسِ الْمَأْمُوم مَا يُحِيلُ الْمُبْطِلَ فَكَانَ مُقَصِّرًا فَلَزِمَهُ الْإِعَادَة.

وَأَمَّا هُنَا فَلَا تَقْصِيرَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ. لِمَا قَرَّرْته أَنَّهُ لَا قَرَائِن يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الزِّيَادَة حَالَ وُجُودِهَا سِيَّمَا وَقَدْ قَامَ فِي نَفْسِهِ مَا يُحِلُّ الزِّيَادَة وَهُوَ ظَنُّهُ أَنَّهُ فِي رَكْعَةٍ أَصْلِيَّةٍ وَمَعَ هَذَا الظَّنِّ لَا يُتَصَوَّر وُجُودُ قَرِينَةٍ عَلَى الزِّيَادَة وَإِلَّا لَمْ يَظُنّ أَنَّهُ فِي أَصْلِيَّةٍ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ تَعْلِيلُهُمْ لِصِحَّةِ الْقُدْوَةِ هُنَا بِعَدَمِ التَّقْصِير مِنْهُ لِخَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ وَلِعَدَمِ صِحَّتِهَا فِي تَرْكِ التَّحَرُّم بِأَنَّهَا لَا تَخْفَى فَنُسِبَ إلَى تَقْصِيرٍ وَهَذَانِ وَإِنْ تُوُهِّمَ بِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَحَكُّمٌ لَكِنْ عِنْدَ تَأَمُّلِ مَا قَرَّرْته يَظْهَرُ وَجْهُهُمَا وَيَنْدَفِعُ ذَلِكَ التَّوَهُّم فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ وَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِيهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ يُرَاعِي الْمَسْبُوق نَظْمَ الْمُسْتَخْلِف فَإِذَا أَتَمَّ الْإِمَامُ الْفَاتِحَة وَخَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ الْفَاتِحَة فَهَلْ عَلَى الْخَلِيفَة الرُّكُوعُ وَيَأْتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>