الزَّكَاةِ إلَّا إنْ وُجِدَتْ فِيهِمْ صِفَةٌ مِنْ الصِّفَاتِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي ذَكَرهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ عَزَّ مَنْ قَائِلٍ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ فَإِذَا أَخَذُوا شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ وَلَيْسَ فِيهِمْ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّمَانِيَةِ كَانُوا عُصَاةً فَسَقَةً يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ تَعْزِيرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَزَجْرُهُمْ عَنْهُ التَّعْزِيرُ وَالزَّجْرُ الشَّدِيدَانِ وَلَا تَجُوزُ الْمُحَاكَمَةُ إلَيْهِمْ وَلَا اسْتِفْتَاؤُهُمْ، وَأَخْذُ عَطَاءٍ عَلَى تَعْلِيمِ الْحِيَلِ فِسْقٌ أَيْضًا وَمَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ إفْتَاؤُهُ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَحَيْثُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْبَائِعَةُ الْمَذْكُورَةُ رَشِيدَةً بِأَنْ بَلَغَتْ صَالِحَةً لِدِينِهَا وَمَالِهَا صَحَّ بَيْعُهَا الْمَذْكُورُ وَإِنْ دُلِّسَ عَلَيْهَا لَكِنْ مَنْ دَلَّسَ عَلَيْهَا يَأْثَمُ وَيَفْسُقُ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَنَاتَ لَا يَرِثْنَ مِنْ أَبِيهِنَّ أَوْ نَحْوِهِ نَسَبًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ» وَلَا يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ - عَنْ الْجَبَابِرَةِ وَالرُّمَاةِ لِلْبُنْدُقِ وَنَحْوِهِمْ الْمُتَّصِفِينَ بِصِفَاتِ أَهْلِ الزَّكَاةِ هَلْ يُعْطَوْنَ مِنْهَا وَهَلْ يُعْطَوْنَ مَعَ تَرْكِ الْحِرْفَةِ اللَّائِقَةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ النَّوَوِيَّ وَغَيْرَهُ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاءُ الزَّكَاةِ لِلْفَسَقَةِ كَتَارِكِي الصَّلَاةِ إنْ وُجِدَ فِيهِمْ شَرْطُ اسْتِحْقَاقِهَا لَكِنْ مَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِدِينِهِ وَمَالِهِ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهَا لَهُ بَلْ لِوَلِيِّهِ، ثُمَّ تَرْكُهُمْ الْحِرَفَ اللَّائِقَةَ بِهِمْ إنْ كَانَ لِاسْتِغْنَائِهِمْ بِمَا هُوَ أَهَمُّ كَقِتَالِ الْكُفَّارِ أُعْطُوا مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ لَا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ كَقِتَالِ الْبَغْيِ جَازَ إعْطَاؤُهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَاسْتِغْنَائِهِمْ بِالْمَعَاصِي وَمُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِينَ فَضْلًا عَنْ الْمُبَاحَاتِ فَلَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُمْ شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ وَمَنْ أَعْطَاهُمْ مِنْهَا شَيْئًا لَمْ تَبْرَأْ بِهِ ذِمَّتُهُ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي قُدْرَةٍ مَنْعُهُ وَزَجْرُهُ عَنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ ثُمَّ لِسَانِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ فَيْضِ مَدَدِهِ - بِأَنَّ زَوْجَةَ الْعَبْدِ الْحُرَّةَ هَلْ تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَكْفِيَّةَ بِنَفَقَةِ زَوْجِهَا وَلَوْ رَجْعِيَّةً لَا تُعْطَى وَمَنْ لَمْ تَكْتَفِ بِمَا يَجِبُ لَهَا لِكَوْنِهَا أَكُولَةً أَوْ مَالِكَةً لِرَقِيقٍ يَلْزَمُهَا مُؤْنَتُهُ أَوْ مَرِيضَةً وَقُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ مُدَاوَاتُهَا قَالَ الْقَفَّالُ فَلَهَا أَخْذُ الزَّكَاةِ قَالَ الْإِمَامُ وَيَكُونُ مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ مَا يَجِبُ لَهَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهَا فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَتُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَأَنَّ الْحَامِلَ الْبَائِنَ كَالَّتِي فِي الْعِصْمَةِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ اهـ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ زَوْجَةَ الْعَبْدِ الْحُرَّةَ إنْ كَفَتْهَا نَفَقَتُهُ لَمْ تُعْطَ شَيْئًا وَإِلَّا أُعْطِيت تَمَامَ كِفَايَتِهَا نَعَمْ لَوْ لَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ لِنُشُوزِهَا وَهِيَ مُقِيمَةٌ لَمْ يَجُزْ إعْطَاؤُهَا شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الْغِنَى بِالطَّاعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِلَا إذْنٍ فَإِنَّهَا تُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ كَالْفَقِيرِ الْعَاصِي بِالسَّفَرِ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْعَوْدِ حَالًا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَدَرَتْ لَمْ تُعْطَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَالٌ يَسْتَغِلُّهُ يَخْرُجُ بِبَيْعِهِ إلَى الْمَسْكَنَةِ هَلْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ لَهُ عَقَارٌ يَسْتَغِلُّهُ لَكِنْ يَنْقُصُ دَخْلُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ فَهُوَ إمَّا فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينُ فَيُعْطَى تَمَامُ كِفَايَتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ وَبِأَنَّ مَنْ ادَّانَ لِنَفْسِهِ وَعَجَزَ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ يُعْطَى وَإِنْ كَانَ كَسُوبًا ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ أَعْطَى الْكُلَّ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَضَى دَيْنَهُ مِمَّا مَعَهُ تَمَسْكَنَ تُرِكَ لَهُ مِمَّا مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ وَأُعْطِيَ مَا يَقْضِي بِهِ بَاقِي دَيْنِهِ فَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ لَمْ يُعْطَ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا قَالَ الرَّافِعِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَرُبَّمَا صَرَّحُوا بِهِ قَالَ وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمِفْتَاحِ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْمَسْكَنَ وَالْمَلْبَسَ وَالْفِرَاشَ وَالْآنِيَةَ وَكَذَا الْخَادِمُ وَالْمَرْكُوبُ إذَا اقْتَضَاهُمَا حَالُهُ بَلْ يَقْضِي دَيْنَهُ وَإِنْ مَلَكَهَا وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّا لَا نَعْتَبِرُ الْفَقْرَ وَالْمَسْكَنَةَ هُنَا بَلْ لَوْ مَلَكَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَلَوْ قَضَى دَيْنَهُ لَنَقَصَ مَالُهُ عَمَّا يَكْفِيهِ تُرِكَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الِاعْتِبَارِ وَهَذَا أَقْرَبُ اهـ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ.
قَالَ الْقَمُولِيُّ وَمَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute