مَا إذَا فَتَحَ فَاهُ لِغُبَارِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُفْطِرُ هُوَ وُصُولُ الْعَيْنِ بِشَرْطِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَالُوا وَاحْتَرَزْنَا بِهِ عَنْ وُصُولِ الْأَثَرِ كَوُصُولِ الرِّيحِ أَوْ الرَّائِحَةِ بِالشَّمِّ إلَى دِمَاغِهِ وَوُصُولِ الطَّعْمِ بِالذَّوْقِ إلَى حَلْقِهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَغَيُّرٍ بِطَعْمِ الرِّيقِ أَوْ رِيحِهِ بِالْعَلْكِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمُجَاوَرَةِ الرِّيقِ لَهُ وَهَذَا كُلَّهُ كَمَا تَرَى كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وُصُولُ الدُّخَانِ، وَإِنْ تَعَمَّدَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَابْنُ النَّقِيبِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ فَاهُ لِنَحْوِ غُبَارِ الطَّرِيقِ قَصْدًا لَمْ يُفْطِر وَكَذَا النَّشَائِيُّ فِي الْمُنْتَقَى حَيْثُ قَالَ فَإِنْ تَعَمَّدَ فَتْحَهُ لِلْغُبَارِ فَالْأَصَحُّ فِي التَّهْذِيبِ الْعَفْوُ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَمَا وَقَعَ فِي الْعُبَابِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْخَادِمِ ضَعِيفٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ كَمَا بَسَطْته فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى أَنَّ الدُّخَانَ مِنْ أَفْرَادِ الْغُبَارِ فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ أَجْزَاءٌ مِنْ رَمَادِ الْمُحْتَرِقِ يَتَصَاعَدُ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ النَّارِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى نَجَاسَةٍ دُخَانِ النَّجَاسَةِ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ نَجَاسَتِهِ لَا يَجْعَلُهُ مُنْفَصِلًا مِنْ الْجُرْم وَإِنَّمَا يَقُولُ إنَّهُ شَيْءٌ يُخْلَقُ عِنْد الْتِقَاءِ النَّارِ وَنَحْوِ الْحَطَبِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا غُبَارٌ أَوْ لَيْسَ بِغُبَارٍ وَكُلُّ مِنْهُمَا لَا يُفْطِرُ، وَأَمَّا أَخْذُ الرِّيمِيِّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُبَخَّرُ إنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ بِالْبَخُورِ لَمْ يَضُرَّ أَوْ طَعْمُهُ وَلَوْنُهُ ضَرَّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ عَيْنًا كَانَ مُجَاوِرًا وَهُوَ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا أَوْ لَيْسَ بِعَيْنٍ كَانَ التَّغَيُّرُ بِهِ تَرَوُّحًا وَهُوَ لَا يَضُرُّ كَذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا فِي الْخَادِمِ فِيمَنْ ابْتَلَعَ خَيْطًا وَبَقِيَ طَرْفُهُ خَارِجًا ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ، وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَالَ فَطَرِيقه أَنْ يُجْبِرهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ قَالَ بَلْ لَوْ قِيلَ لَا يُفْطِر بِالنَّزْعِ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَبْعُد تَنْزِيلًا لِإِيجَابِ الشَّرْع مَنْزِلَة الْإِكْرَاهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَطَأَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا لَا يَحْنَث هَلْ مَا ذَكَره الزَّرْكَشِيُّ آخِرًا صَحِيحٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذَكَره مُنَافٍ لِكَلَامِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا قَاسَ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّعَالِيقِ عَلَى الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ حَيْثُ لَا لُغَةَ مُطَّرِدَةٌ فَالْحَالِفُ عَلَى الْوَطْءِ تَشْمَلُ يَمِينُهُ حَالَة الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَهَذَا مُقْتَضَى اللُّغَةِ لَكِنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ اقْتَضَى خُرُوجَ حَالَةِ الْحَيْضِ مِنْ الْيَمِينِ فَحَيْثُ تُرِك لِأَجْلِهِ لَا يَحْنَثُ عَمَلًا بِذَلِكَ وَلِعُذْرِهِ بِمَنْعِ الشَّارِعِ لَهُ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَتَعَارَضَ فِيهَا وَاجِبَانِ مُرَاعَاةُ الصَّوْمِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْبَقَاءَ وَمُرَاعَاةُ الصَّلَاةِ وَهِيَ تَقْتَضِي النَّزْعَ. فَحَيْثُ رَاعَى الصَّلَاةَ فَقَدْ اخْتَارَ إبْطَالَ صَوْمِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمُرَاعَاةِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَبَطَل صَوْمُهُ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْعُرْفِ فِيهِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا لَوْ طَرَأَ لَهُ مَرَضٌ وَخَافَ مِنْ الْهَلَاكِ لَوْ لَمْ يُفْطِر فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وَيُفْطِرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ نَوَى صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَة مَعَ فَرْضٍ أَوْ كَانَ نَحْوُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَنَوَى صَوْمَهُ عَنْ عَرَفَة وَكَوْنه يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَهَلْ تَحْصُل لَهُ سُنَّةُ صَوْمِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُهُمْ أَنَّ الْقَصْدَ إشْغَالُ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِصَوْمٍ كَمَا أَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّحِيَّةِ إشْغَال الْبُقْعَةِ بِصَلَاةٍ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ نَوَاهُمَا حَصَلَا أَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا سَقَطَ طَلَبُ الْآخَرِ وَلَا يَحْصُلُ ثَوَابُهُ وَفَارَقَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودُ وَأَيْضًا فَلَيْسَ الْقَصْدُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَة النَّظَافَةُ فَقَطْ بِدَلِيلِ التَّيَمُّمِ لَهُ فَإِنْ قُلْت مُقْتَضَى حُصُول سُنَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ بِغُسْلِ الْعِيد إذَا اتَّحَدَ يَوْمُهُمَا أَنْ يُقَال بِمِثْلِهِ هُنَا قُلْت نَعَمْ وَقَدْ مَرَّ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِحُصُولِ مَا لَمْ يَنْوِ مِنْهُمَا سُقُوطَ الطَّلَبِ بِفِعْلِهِ لَا حُصُولَ ثَوَابِهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَان عَبِيدٌ أَوْ نِسَاءٌ أَوْ فَسَقَةٌ وَظَنَّ صِدْقَهُمْ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الشَّكِّ فَيَحْرُم صَوْمُهُ إلَّا لِسَبَبٍ وَهَذَا يُنَافِيه قَوْلُ الْبَغَوِيِّ وَغَيْره لَوْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَر صَحَّ صَوْمُهُ بَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَيُنَافِيه أَيْضًا مَا قَالُوهُ مِنْ صِحَّة نِيَّةِ مُعْتَقِدِ ذَلِكَ وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَان إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ فَمَا الْجَمْعُ بَيْن هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ إنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ عَدَم التَّنَافِي وَأَنَّهُ أُجِيب عَمَّا زَعَمَهُ أَيْضًا بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى فِيهَا نَظَرٌ وَأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْهَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ