لَا يَلِيق بِهِ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِلْعَقْدِ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ مُخَالِفًا لَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّوْكِيلِ بِقَيْدِهِ الْمَذْكُورِ إلَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا عِنْدَ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَعْيَانِ الْعَامِلِينَ فَحَيْثُ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَتَوَلَّى الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ اتَّبَعَ شَرْطَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ إلَّا إنْ عَجَزَ أَوْ لَمْ يَلِقْ بِهِ مَا وُكِّلَ فِيهِ فَهُوَ كَالْعَامِلِ
وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَتَوَلَّى مَا وُكِّلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي الْوَكَالَةِ فَقِيَاسُهُ أَنَّ الْعَامِلَ كَذَلِكَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَتَى اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُ إنْسَانٍ أَوْ جُوعِلَ عَلَى عَيْنٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ عَدَمَ الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا فَاسْتَنَابَ مَنْ يَزُورُ عَنْ الْمُوصِي لَمْ يَسْتَحِقَّ هُوَ وَلَا نَائِبُهُ شَيْئًا فِي مُقَابِلِ الزِّيَارَةِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْحَاجُّ قِسْطُ الْحَجَّةِ فَقَطْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ اسْتَنَابَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَعْذُورًا حَالَ الْجِعَالَةِ أَمْ لَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ قِسْطَ الْحَجَّةِ مُطْلَقًا لِوُقُوعِهَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ إجْزَاءً وَثَوَابًا فَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ يَمُوتُ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيمِ. وَمِنْ ثَمَّ اعْتَمَدَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ قَوْلَ ابْنِ الصَّبَّاغِ لَوْ جَاعَلَهُ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ فَخَاطَ نِصْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ لِلْمَالِكِ فَاحْتَرَقَ فِي يَدِهِ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمَشْرُوطِ فَقَوْلُهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ عَامِلُ الْجِعَالَةَ الْجَعْلَ بِالْفَرَاغِ أَوْ وُقُوعُ الْعَمَلِ مُسْلِمًا لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ لِوُقُوعِ الْعَمَلِ فِيهِ مُسْلِمًا فِي الْبَعْضِ فَاسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ وَلَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ وُقُوعَهُ جَمِيعِهِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَتَيْ الصَّبِيِّ وَالثَّوْبِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَإِنَّمَا احْتَرَزُوا بِذَلِكَ عَنْ اخْتِلَالٍ يَقَعُ فِي الْأَثْنَاءِ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الْعَمَلِ مِنْ أَصْلِهِ مُسَلَّمًا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِنَابَةِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهَا كَانَ لَغْوًا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ وَقَعَتْ لِلْمُبَاشِرِ
وَلَمْ تَقَعْ لِلْمُوصِي وَلَا لِلْمُوصَى وَمَنْ لَا يَقَعُ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا لَهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْجِعَالَةِ هَذَا إنْ كَانَ الْأَجِيرُ أَوْ الْعَامِلُ عَالِمًا بِفَسَادِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْجِعَالَةِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ لَهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ عَلَى الْوَصِيِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِئْجَارَ لِلتَّطَوُّعِ وَقَعَ عَنْ الْأَجِيرِ وَلَمْ يُسْتَحَقّ الْمُسَمَّى بَلْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ السُّبْكِيّ بِهَذَا قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ فِيمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْ مَعْضُوبٍ فَبَرِئَ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَوَقَعَ الْحَجُّ لَهُ لَا لِلْمَعْضُوبِ.
وَأَجَبْت فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَعْضُوبِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَالْبُرْءُ لَمْ يَحْصُلْ بِاخْتِيَارِهِ فَاقْتَضَى عُذْرُهُ عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَغْرِيرٌ لِلْأَجِيرِ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي قَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِلِاسْتِئْجَارِ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ عَلِمَ امْتِنَاعَهُ لِلتَّطَوُّعِ فَلَمْ يُعَارِضْ تَغْرِيرَهُ لِلْأَجِيرِ شَيْءٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِ مُقَابِلُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَنَافِعِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَمَحَلُّ اسْتِحْقَاقِ الْأَجِيرِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فِي قَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ مَا إذَا جَهِلَ الْأَجِيرُ الْحَالَ وَظَنَّ الصِّحَّةَ اهـ وَبِهِ يُعْلَمُ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْته فِي الْوَصِيِّ وَلَوْ جَاعَلَ الْوَصِيُّ مَنْ يَحُجُّ وَيَزُور وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ الْجِعَالَة، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْرِطَ عَلَى الْعَامِلِ الْإِتْيَانَ بِذَلِكَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْمُجَاعَلَةِ مِنْهُ عَلَيْهِ بَلْ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الْمُوصِي وَاحْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْعَامِلِ حَتَّى لَا يُوَكَّلَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْرِطْ الْمُوصِي عَلَى مَنْ يَحُجُّ وَيَزُورُ عَنْهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَنَابَ مَنْ جَاعَلَهُ الْوَصِيُّ مَنْ يَزُورُ عَنْ الْمَيِّتِ لِعَجْزِهِ عَنْ الزِّيَارَةِ بِنَفْسِهِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الزِّيَارَةِ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ عَاجِزًا عِنْدَ الْجِعَالَةِ أَمْ طَرَأَ عَجْزُهُ بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ أَعَمِلَ النَّائِبُ لَهُ تَبَرُّعًا أَمْ بِعِوَضٍ.
وَأَمَّا إذَا اسْتَنَابَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الزِّيَارَةِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ قِسْطِهَا مُطْلَقًا، وَإِذَا أَوْصَى الشَّخْصُ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَعَيَّنَ أُجْرَةً قَلِيلَةً فَإِنْ وُجِدَ أَجِيرٌ يَرْضَى لَزِمَ الْوَصِيَّ اسْتِئْجَارُهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ يَرْضَى بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَرَجَعَ الْمَالُ الْمُعَيَّنُ لِلْوَرَثَةِ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُوصِي حَجَّةُ فَرْضٍ وَإِلَّا لَزِمَ الْوَرَثَةَ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا عَيْنُهُ وَالِاسْتِئْجَارُ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ إذَا وُجِدَ مَنْ يَرْضَى بِمَا عَيَّنَهُ وَاسْتَأْجَرَهُ الْوَصِيُّ بِهِ فَإِنْ قَالَ وَلَك فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute