للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمْ يَحُجَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوَابٌ وَإِلَّا لَهُ الثَّوَابُ بِقَدْرِ بَاعِثِ الْآخِرَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْغَزَالِيِّ وَالْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَشْهُورَةِ وَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْحَجِّ فِي أَنَّ مَنْ حَجَّ تَاجِرًا نَقَصَ ثَوَابُهُ وَكَانَ لَهُ ثَوَابٌ دُونَ ثَوَابِ الْحَاجِّ مُتَخَلِّيًا عَنْ التِّجَارَةِ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ التَّفْصِيلِ وَفِي ذَلِكَ مَزِيدٌ بَسَطْته فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ الْكُبْرَى بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ مَعَ أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَنِي إلَيْهِ.

وَوَرَدَ مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ تَطَوُّعًا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ زِيَادَةً عَلَى وَاجِبِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ مِنْ الْعَمَلِ الْقَاصِرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَخْصٍ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ فِي حَالِ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ مُرِيدٌ لِلْحَجِّ وَكَانَتْ مُجَاوَزَتُهُ لِلْمِيقَاتِ مَعَ إرَادَتِهِ الْحَجَّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِلْمُجَاوَزَةِ؛ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا أَرَادَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي هَذَا الْوَقْتِ صَارَ عُمْرَةً وَفَاتَهُ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ تَقْدِيمِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ أَمْرِهِ بِالْإِحْرَامِ إلْزَامُهُ بِنُسُكٍ لَمْ يُرِدْهُ وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ مَحَلَّ قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الشَّخْصَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِطْلَاقِ مَا إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِفْرَادُ إلَّا إذَا جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَإِنْ قُلْتُمْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَلْزَمُهُ فَلَوْ أَنَّهُ حَالَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلْحَجِّ كَانَ مُرِيدًا لِلْعُمْرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا إلَّا بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالْحَجِّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ بِهَذِهِ الْإِرَادَةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا جَاوَزَ وَهُوَ مُرِيدٌ لِلنُّسُكِ فِي حَالَةِ الْمُجَاوَزَةِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟

(فَأَجَابَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بَلْ صَرِيحُهُ كَمَا يَأْتِي لُزُومُ الدَّمِ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ فِي كَافِرٍ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَسْلَمَ إنْ كَانَ حِينَ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ أَرَادَ حَجَّ تِلْكَ السَّنَةِ ثُمَّ حَجَّ بَعْدَهَا فَلَا دَمَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ تَارِكَ مِيقَاتٍ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَالَ مُرُورِهِ نَوَى حَجَّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ حَجَّ فِيهَا فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَجْهَانِ قَالَ فِيهِ أَيْضًا وَلَوْ مَرَّ مُسْلِمٌ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا لِلْحَجِّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفَعَلَهُ مِنْ مَكَّةَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ الْوَجْهَانِ كَالْكَافِرِ اهـ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ فِي الْكَافِرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرُورِ الْمُشَبَّهَةِ بِمَسْأَلَةِ الْكَافِرِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ جَاوَزَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّ لُزُومَهُ إنَّمَا هُوَ لِنَقْصِ النُّسُكِ لَا بَدَلٌ مِنْهُ فَأَفْهَمَ قَوْلُهُمْ وَلَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا أَنَّهُ مَتَى أَحْرَمَ بِمَا نَوَاهُ وَلَوْ فِي سَنَةٍ ثَانِيَةٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَيُفْهِمُ ذَلِكَ أَيْضًا تَعْلِيلُهُمْ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ السَّنَةِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ نَقَصَ نُسُكُهُ إذَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُحْرِم مِنْ مِيقَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ آفَاقِيٌّ فَاتَّضَحَ أَنَّ أَرْجَحَ الْوَجْهَيْنِ لُزُومُ الدَّمِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ الْمَذْكُورَةِ، وَصُورَةُ السُّؤَالِ مِثْلُهَا بِلَا رَيْبٍ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ نَوَاهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ نَوَاهُ فِي سَنَتِهِ، فَإِذَا لَزِمَهُ فِي تِلْكَ مَعَ سَبْقِ النِّيَّةِ بِسَنَتَيْنِ فَلَأَنْ يَلْزَمَهُ مَعَ سَبْقِ النِّيَّةِ بِدُونِ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى بَلْ صُورَةُ السُّؤَالِ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ إذْ ذَكَرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِلتَّمْثِيلِ لَا لِلتَّقْيِيدِ فَالْمَدَار عَلَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَتَى بِهِ مِنْ مَكَّةَ الَّذِي كَانَ قَاصِدُهُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ وَحِينَئِذٍ مَكَّةُ لَيْسَتْ مِيقَاتَهُ فَإِذَا لَمْ يُحْرِمْ بِهِ وَلَا بِمَا لَمْ يَخْلُفْهُ وَهُوَ الْعُمْرَةُ مِنْ الْمِيقَاتِ كَانَ فِي نُسُكِهِ نَقْصٌ أَيُّ نَقْصٍ فَلَزِمَهُ دَمٌ جَبْرًا لَهُ فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ مُرِيدًا لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَأَقَرَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ وَأَقَرَّهُمَا فِي الْكِفَايَةِ الْمُتَوَلِّي وَالْخُوَارِزْمِيِّ وَأَقَرَّهُمَا فِي الْمُهِمَّاتِ قَالَ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ مَا يَدُلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا وَبِهِ فَارَقَ الْعُمْرَةَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِيهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَأَقَّت بِوَقْتٍ.

قُلْت لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ وَإِجْرَائِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمَّا نَوَى عِنْدَ الْمِيقَاتِ الْحَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ فِيهَا بَلْ حَجَّ فِيمَا بَعْدَهَا كَانَ حَجُّهُ فِيمَا بَعْدَهَا غَيْرَ مَا نَوَاهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ إحْرَامَ سَنَةٍ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ مَا بَعْدَهَا إذَا أَتَى بِغَيْرِ مَا نَوَاهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>