وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَأَتَى بِمَا نَوَاهُ فِي سَنَتِهِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ نَوَاهُ فِي سَنَةٍ وَأَتَى بِهِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ مِيقَاتِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّقْصُ فِيهِ فَجَبْرُهُ بِالدَّمِ وُجُوبًا كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُ السَّائِلِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا أَرَادَهُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ مِنْ حَيْثُ رِعَايَةُ حُرْمَةِ الْمِيقَاتِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ أَوْ بِعَيْنِهِ بِأَنْ يَخْرُجَ عِنْدَ إرَادَةِ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ إلَى مِيقَاتِهِ وَيُحْرِمُ مِنْهُ.
فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ مُقَصِّرًا وَمُدْخِلًا لِلنَّقْصِ عَلَى نُسُكِهِ فَلَزِمَهُ دَمٌ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ أَمْرِهِ بِالْإِحْرَامِ إلْزَامُهُ بِنُسُكٍ لَمْ يُرِدْهُ، وَقَوْلُهُ وَفَاتَهُ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عَلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ لَا يَمْنَعُ فَوَاتَ فَضِيلَةِ الْإِحْرَامِ إذَا أَتَى بِعُمْرَةِ أُخْرَى بَعْدَ حَجّه بَلْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَفْضَلُ صُوَرِ الْإِفْرَادِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُ السَّائِلِ وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِ الْأَصْحَابِ إلَخْ وَوَجْهُ انْدِفَاعِ مَا تَقَرَّرَ أَنْ تُقَدَّمَ الْعُمْرَةُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَمْنَعُ الْإِفْرَادَ، وَقَوْلُهُ فَلَوْ أَنَّهُ حَالَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا كَمَا عُلِمَ بِالْأُولَى مِنْ الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَا نَظَرَ لِنِيَّةِ تَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ عَنْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَصْلًا إدْخَالُ النَّقْصِ عَلَى حَجِّهِ كَمَا مَرَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ وَأَهْمَلَ بَعْضُهُمْ شَرْطًا خَامِسًا لِلْحَجِّ وَهُوَ سَعَةُ الْوَقْتِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ السَّيْرِ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الْوَقْتِ هَلْ هُوَ مُدَّةُ السَّنَةِ بِأَنْ يَبْقَى مِنْهَا قَدْرُ مَا يَصِلُ بِهِ إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَيُشْكِلُ عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَوْقَ سَنَةٍ أَوْ فَوْقَ السَّنَةِ فَالْوَقْتُ وَاسِعٌ بَيِّنُوا لَنَا حَقِيقَةَ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَبْقَى مِنْ الزَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ السَّيْرُ بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ أَنْ يَقْطَعَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الزَّمَانِ وَلَا يَخْفَى الْإِشْكَالُ السَّابِقُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ يُعْتَبَر فِي لُزُومِ الْحَجِّ لَهُ لَا فِي اسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَمَكَّنَ بِأَنْ يَجِدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَقَدْ بَقِيَ زَمَنٌ يَسَعُ الْوُصُولَ فِيهِ إلَى مَكَّةَ بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا بِحَيْثُ لَا يَقْطَعُ فِي يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَة.
فَلَوْ كَانَ بَيْنَ بَلَدِهِ وَمَكَّةَ سَنَةٌ مَثَلًا اُشْتُرِطَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى نَحْوِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ تِلْكَ السَّنَة جَمِيعهَا فَمَتَى مَضَتْ لَهُ سَنَةِ بِأَنْ يَمْضِيَ مَا يُمْكِنُ ذَهَابُ الْحُجَّاجِ فِيهِ وَرُجُوعُهُمْ إلَى بَلَدِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَا مَرَّ بِأَنَّ لُزُومَ الْحَجِّ لَهُ فَإِذَا مَاتَ أَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْحَجُّ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ اسْتَطَاعَهُ وَتَرَكَهُ وَمَتَى مَرِضَ أَوْ افْتَقَرَ قَبْلَ وُصُولِهِمْ لِمَكَّةَ أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِمْ وَقَبْلَ الْحَجِّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَجٌّ وَكَذَا لَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ حَجِّهِمْ وَقَبْلَ وُصُولِهِمْ لِبَلَدِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا الذَّهَابُ إلَى مَكَّةَ بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ فِيهَا وَوُصُولُهُ إلَى بَلَدِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَقْرِ دُونَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ بَانَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ الرُّجُوعِ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ إمْكَانِ حَجِّ النَّاسِ وَقَبْلَ رُجُوعِهِمْ بَانَ أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ وَمَعَ هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا إشْكَالَ فِيمَا ذَكَرُوهُ فَإِنَّا لَا نَعْتَبِرُ سَنَةً وَلَا دُونَهَا وَلَا أَكْثَرَ مِنْهَا دَائِمًا وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ فِيهَا إلَى مَكَّةَ وَالرُّجُوعُ مِنْهَا بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا اُعْتُبِرَتْ قُدْرَتُهُ تِلْكَ الْأَرْبَعَةَ مَعَ الْعَوْدِ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْمَوْتِ أَوْ سَنَتَانِ اُعْتُبِرَتْ قُدْرَتُهُ مُدَّتَهُمَا مَعَ الْعَوْد كَمَا ذُكِرَ.
وَلَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ نَحْوُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي الْوَقْتِ فَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ شَهْرَانِ مَثَلًا لَوْ اسْتَطَاعَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِطَاعَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى لَوْ اسْتَطَاعَ الشَّهْرَ مِنْ قَبْلِ أَشْهُرِهِ ثُمَّ افْتَقَرَ قَبْلَ أَشْهُرِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي امْرَأَةٍ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَكَانَتْ تَتَضَرَّرُ بِانْتِظَارِ انْقِطَاعِهِ لِتَطُوفَ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَتَضَرَّرَتْ بِانْقِطَاعِهَا جَازَ لَهَا السَّفَرُ وَيَبْقَى لَهَا الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا مَا لَمْ تُقَلِّدْ أَبَا حَنِيفَةَ، وَإِذَا لَمْ تُقَلِّدْهُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى إحْرَامِهَا فَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ قُرْبَانُهَا إلَّا إذَا وَصَلَتْ إلَى مَسَافَةٍ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ فَلَهَا حِينَئِذٍ التَّحَلُّلُ كَتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ وَتُقَصِّرُ وَتَذْبَحُ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا حِينَئِذٍ وَلِلْيَافِعِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute