للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا اعْتِرَاضٌ شَنِيعٌ عَلَى الْبَارِزِيِّ ادَّعَى فِيهِ أَنَّ الْبَارِزِيَّ خَالَفَ فِي تَجْوِيزِ السَّفَرِ بِلَا طَوَافٍ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَدْ رَدَدْت عَلَيْهِ اعْتِرَاضَهُ هَذَا فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ وَبَسَطْت فِيهَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَسْطًا شَافِيًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ مُطْلَقِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ هَلْ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ كَالْإِسْلَامِ؟

(فَأَجَابَ) الْحَجُّ الْمَبْرُورُ يُكَفِّرُ مَا عَدَا تَبِعَاتِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَالْحَدِيثُ الْمُقْتَضِي لِتَكْفِيرِ التَّبِعَاتِ أَيْضًا ضَعِيفٌ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِقَضِيَّتِهِ وَهْمٌ وَتَكْفِيرُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ التَّوْبَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ مِنْ الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا إلَّا فِي الْآخِرَةِ بِخِلَافِ التَّوْبَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا فِي الدُّنْيَا كَرَفْعِ الْفِسْقِ وَنَحْوِهِ فَهَذَا لَا دَخْلَ لِلْحَجِّ وَغَيْرِهِ فِيهِ بَلْ لَا يُفِيدُ فِيهِ إلَّا التَّوْبَةُ بِشُرُوطِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهَ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ كَيْفَ صِيغَتَا الْإِجَارَةِ وَالْجِعَالَةِ الْمُخْتَصَرَتَانِ الْمُعْتَبَرَتَانِ لِتَحْصِيلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالزِّيَارَةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صِيغَةُ الْأُولَى اسْتَأْجَرْت ذِمَّتَك أَوْ عَيْنَك بِكَذَا لِتَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ إفْرَادًا مَثَلًا وَتَدْعُوَ تُجَاهَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَيِّتِي أَوْ عَنِّي فِي الْمَعْضُوبُ وَصِيغَةُ الثَّانِيَةِ حُجَّ وَاعْتَمِرْ وَادْعُ تُجَاهَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَيِّتِي أَوْ لِي وَلَكَ كَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَخْصٌ أَوْصَى بِحَجَّةٍ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ جَاعَلَ الْوَصِيُّ شَخْصًا عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ أَحْرَمَ وَلَدُ الْمَيِّتِ مَثَلًا عَنْ وَالِدِهِ قَبْلَ إحْرَامِ الْجَعِيلِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَصِيِّ طَمَعًا فِي الْمَعْلُومِ هَلْ يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِمَنْ حَجَّ عَنْهُ بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَوَقَعَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ مُقَصِّرٌ بِتَأْخِيرِ الْجِعَالَةِ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُبَادِرْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ تُضَيِّقُ عَلَيْهِ الْحَجِّ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْجَعِيلُ شَيْئًا لِأَنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ فَيُعْطَى أُجْرَةَ مَسِيرِهِ أَمْ لَا كَسَائِرِ الْجِعَالَاتِ فَإِنْ قُلْتُمْ يُعْطَى هَلْ يَكُونُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ الْجَعِيلَ فِي مَشَقَّةِ السَّفَرِ وَالْإِحْرَامِ كَالْوَلِيِّ إذَا أَذِنَ لِلصَّبِيِّ فِي الْإِحْرَامِ وَأَتَى بِشَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الْفِدْيَةَ؟

(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ يَقَعُ حَجُّ الْوَلَدِ عَنْ وَالِدِهِ تَبَرُّعًا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فِي مُقَابَلَتِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ نَظِيرَ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ أَوْصَى لِمَنْ حَجَّ عَنْهُ فَيَشْمَلُ الْوَارِثَ وَغَيْرَهُ وَهُنَا قَيَّدَ بِمَنْ يَحُجُّ عَلَى يَدِ فُلَانٍ وَلَمْ يَحُجَّ الْوَلَدُ عَلَى يَدِهِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ الشَّرْطُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَكَانَ حَجُّهُ تَطَوُّعًا مَحْضًا وَلَمْ يُنْظَرْ لِطَمَعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَنٍّ بَانَ خَطَؤُهُ وَهُوَ لَا عِبْرَةَ بِهِ سَوَاءً أَفُرِضَ مِنْ الْوَصِيِّ تَقْصِيرٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ تَقْصِيرَهُ إنْ لَمْ يَقْتَضِ انْعِزَالَهُ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا قَامَ الْوَصِيُّ مَقَامَهُ لَا الْوَارِثُ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الْجَعِيلَ لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ إحْرَامِ الْوَلَدِ عَلَى إحْرَامِهِ يُوجِبُ وُقُوعَ إحْرَامِهِ لِنَفْسِهِ فَيَكُونَ مَا لَقِيَهُ مِنْ الْمَشَاقِّ فِي مُقَابَلَةِ الثَّوَابِ الْحَاصِلِ لَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَرِئَ الْمَعْضُوبُ بَعْدَ حَجِّ الْأَجِيرِ عَنْهُ يَقَعُ الْحَجُّ لِلْأَجِيرِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْضُوبَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ فَائِدَةُ ثَوَابٍ وَلَا غَيْرِهِ.

وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ حُضُورِ الْمَعْضُوبِ مَعَ أَجِيرِهِ عَرَفَةَ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي هَذِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لِلْأَجِيرِ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْأُجْرَةِ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ هُنَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَكِنْ لَمَّا تَكَلَّفَ الْمَعْضُوبُ وَحَضَرَ تَعَيَّنَ وُقُوعُ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ دُونَ فِعْلِ غَيْرِهِ عَنْهُ فَالْوُقُوعُ عَنْهُ لِحُضُورِهِ وَلُزُومِ الْأُجْرَةِ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ بِالْحُضُورِ مَعَ بَذْلِ الْأَجِيرِ مَنَافِعَهُ فِي إجَارَةٍ صَحِيحَةٍ بِخِلَافِهِ فِي تَيْنِكَ الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِمَا صَحِيحَةٌ ظَاهِرًا فَقَطْ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهَا مِنْ أَصْلِهَا بِالْبُرْءِ وَبِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجِيرُ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِهِ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ إذَا لَمْ يُجَوَّزْ الِاسْتِئْجَارُ لِلتَّطَوُّعِ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْأَجِيرِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُسَمَّى بَلْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ قُلْت لَا يُنَافِيه؛ لِأَنَّهُ فِي تِينك لَا تَقْصِيرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَالْبُرْءُ وَحَجُّ الْوَلَدِ لَمْ يَحْصُلْ بِاخْتِيَارِهِ فَاقْتَضَى عُذْرُهُ عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَعْزِيرٌ لِلْأَجِيرِ. بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرِ لِلنَّفْلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِلِاسْتِئْجَارِ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ عُلِمَ امْتِنَاعُهُ لِلنَّفْلِ فَلَمْ يُعَارِضْ تَغْرِيرَهُ شَيْءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>