للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَزِمَهُ مُقَابِلَةُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَنَافِعِ الْأَجِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا فِي التَّرِكَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ نَعَمْ لَوْ قَصَّرَ الْأَجِيرُ بِأَنْ عُلِمَ امْتِنَاعُهُ الِاسْتِئْجَارَ لِلتَّطَوُّعِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ حِينَئِذٍ لَمْ يَغْرُرْهُ وَلَمَا نَظَرَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ إلَى مَا ذَكَرْته مِنْ الْإِشْكَالِ صَوَّبَا أَنَّ الْأَجِيرَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مُطْلَقًا وَغَفَلَا عَمَّا قَرَرْته مِنْ الْجَوَابِ وَالْفَرْقِ بِمَا ذَكَرْته بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظَائِرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ حَجَّ عَنْ امْرَأَةٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَأَحْرَمَ عَنْهَا مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَدَخَلَ إلَى مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ مَرَضٌ وَوَقَفَ بِجَبَلِ عَرَفَاتٍ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ نَزَلَ إلَى مِنَى وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ طَوَافِهِ لِلْحَجِّ وَالسَّعْيِ فَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي حَجِّهِ الَّذِي حَجَّهُ عَنْ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ قُلْتُمْ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا يَسْقُطُ الْحَجُّ عَنْ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كُلَّهَا أَوْ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا وَتَرْجِعُ وَرَثَةُ الْمَيِّتَةِ عَلَى تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ؟

(فَأَجَابَ) الْحَجُّ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَرْأَةِ وَلَكِنْ لَهَا ثَوَابُ مَا فَعَلَهُ الْأَجِيرُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ مَا يَخُصُّ الْمَفْعُولَ مِنْ الْمُسَمَّى لَوْ سَقَطَ وَيُعْتَبَرُ مِنْ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَجِيرُ أَجِيرَ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ فَيَسْتَنِيبُ عَنْهَا الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا مِنْ تَرِكَتِهَا أَوْ أَجِيرَ ذِمَّةٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْحَجُّ الْكَامِلُ عَنْهَا فِي عَامِ مَوْتِهَا تَخَيَّرَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ بَيْنَ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ فَإِذَا حَجَّ الْأَجِيرُ عَنْهَا فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ اسْتَحَقَّ بَقِيَّةَ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ فَسْخِهَا وَإِعْطَائِهِ مَا خَصَّهُ بِالتَّوْزِيعِ السَّابِقِ وَيَسْتَأْجِرُ وَارِثُهَا أَوْ وَصِيُّهَا مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا السَّنَةَ الْآتِيَةَ مِنْ تَرِكَتِهَا وَمِنْهَا مَا بَقِيَ مِنْ مُسَمَّى الْإِجَارَةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْصَى بِأَنْ يُسْتَأْجَرَ عَنْهُ مَنْ يَحُجُّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَهَلْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَأْجِر بِغَيْرِ إذْنِ الْوَارِثِ؟

(فَأَجَابَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلِلْوَارِثِ قَضَاؤُهُ مِنْ مَالِهِ نَعَمْ وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ قَضَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الْوَارِثِ نَعَمْ إنْ عَيَّنَ الْمُوصِي عَيْنًا لِلِاسْتِئْجَارِ بِهَا لَمْ يَحْتَجْ لِإِذْنِ الْوَارِثِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ إبْدَالَهَا مِنْ مَالِهِ لَمْ يُمْكِنْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا الْحَلْقَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِبَعْضِ الرَّأْسِ فَالْحَنَفِيَّةُ جَوَّزُوا الرُّبْعَ وَالشَّافِعِيَّةُ جَوَّزُوا الِاكْتِفَاءَ بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ وَالْحَالُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ الْفَارِقِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ الْقَرِينَةِ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْكُلِّ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَيْثُ تَدُلُّ الْبَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ مَسْحَ الْكُلِّ كَمَا بَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي مَحَلِّهِ فَكَيْفَ يُرَادُ الْبَعْضُ قِيَاسًا عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ هُنَا مِنْ إرَادَةِ حَلْقِ الْكُلِّ كَمَا هُوَ حَقُّ الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى حَلَقْت رَأْسِي أَيْ حَلَقْت شَعْرَ رَأْسِي وَحَقِيقَتُهُ إزَالَةُ شَعْرِ كُلِّ الرَّأْسِ.

وَإِرَادَةُ الْبَعْضِ هُنَا مَجَازٌ حَيْثُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالُ أَزَالَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ أَزَالَ شَعْرَ رُبْعَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ وَهَذَا مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ وَالْآيَةُ الْمُسْتَدَلُّ بِهَا {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧] أَفْتُونَا جَزَاكُمْ اللَّهُ خَيْرًا وَلَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَلْقَ الْجَمِيعِ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَيْثُ قَالَ {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧] يَعْنِي بَعْضُكُمْ مُحَلِّقِينَ وَبَعْضُكُمْ مُقَصِّرِينَ فَجَوَازُ التَّقْصِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إزَالَةَ شَعْرِ الْكُلِّ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ إذْ التَّقْصِيرُ لَيْسَ إزَالَةَ الْكُلِّ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ إزَالَةُ الْجَمِيعِ فَصَارَ كَآيَةِ الْمَسْحِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ وَهِيَ الْبَاءُ تَدُلُّ عَلَى عَدَم إرَادَةِ مَسْحِ الْجَمِيعِ فَظَهَرَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَيْسَتْ بِمُرَادَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَأَرَادَ الْحَنَفِيَّةُ الرُّبْعَ إذْ قَدْ يَكُونُ الرُّبْعُ قَائِمًا مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا ذَكَرُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ.

وَمِنْهَا فِي بَابِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّ حَلْقَ الرُّبْعِ يَقُومَ مَقَامَ الْكُلِّ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْآيَةِ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَةِ أَمْرٍ يَقُومُ مَقَامَهُ وَكَذَلِكَ النِّصْفُ وَأَكْثَرُ مِنْهُ لَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ اقْتَضَى اعْتِبَارَ الرُّبْعِ وَلِهَذَا أَرَادُوا فِي بَابِ الْمَسْحِ الرُّبْعَ حَيْثُ نَظَرُوا إلَى نَفْسِ الْمَحِلِّ وَهُوَ الرَّأْسُ أَوْ أَرَادُوا مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ حَيْثُ نَظَرُوا إلَى أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>