وَالْجَارِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ» وَهَذَانِ دَالَّانِ صَرِيحًا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِمَسْحِ الْبَعْضِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعُذْرِ فَلَا يَجُوزُ ادِّعَاءُ احْتِمَالِهِ وَلِأَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ لَمْ يَقُلْ بِخُصُوصِ النَّاصِيَةِ الَّتِي هِيَ مَا بَيْنَ النَّزْعَتَيْنِ وَالِاكْتِفَاءُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاسْتِيعَابِ الَّذِي قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَوُجُوبُ الرُّبْعِ الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ دُونَ رُبْعِ الرَّأْسِ بَلْ قِيلَ دُونَ نِصْفِ رُبْعِهِ وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ الْبَاءَ الدَّاخِلَةَ فِي حَيِّزِ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ كَمَا هُنَا تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ أَيْ حَتَّى تُفِيدَ مَعْنًى لَا يُسْتَفَادُ مَعَ عَدَمِهَا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِهَا لَغْوًا لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَالْمَعْنَى الْمُسْتَفَادُ مَعَهَا مُسْتَفَادٌ مَعَ عَدَمِهَا فَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنًى لَا يُوجَدُ مَعَ حَذْفِهَا.
وَهُوَ مَا قُلْنَاهُ وَأَمَّا الْبَاءُ الدَّاخِلَةُ فِي حَيِّزٍ قَاصِرٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِمُجَرَّدِ التَّعْدِيَةِ وَالْإِلْصَاقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ} [الحج: ٢٩] وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعْمِيمُ فِي التَّيَمُّمِ مَعَ اسْتِوَاءِ آيَتَيْهِمَا كَمَا تَقَرَّرَ لِثُبُوتِهِ بِالسُّنَّةِ وَلِجَرَيَانِهِ عَلَى حُكْمِ مُبَدِّلِهِ وَلَمْ يَجِبْ فِي الْحَلْقِ لِلْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْهُ وَأَمَّا آيَةُ الْحَلْقِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْبَشَرَةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ إمْرَارَ الْمُوسَى عَلَيْهَا لَا يُسَمَّى حَلْقًا فَوَجَبَ إضْمَارُ شَعْرٍ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ لَا الْمَجَازِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ النَّقْلِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الِاشْتِرَاكِ لَكِنَّ الْمَجَازَ وَالنَّقْلَ وَالْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْإِضْمَارِ وَالْمَجَازِ سِيَّانِ لِاحْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى قَرِينَةٍ وَالْإِضْمَارُ وَالْمَجَازُ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِسَلَامَتِهِمَا مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَعُودُ حِينَئِذٍ إلَى الْكَلَامِ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ الْجَوَابُ عَمَّا فِيهِ فَنَقُولُ أَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ وَالْحَالُ إلَخْ فَمَمْنُوعٌ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا قِيَاسَ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بِخِلَافِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَتَوَجَّهُ أَبَدًا وَإِنْ سَلِمَتْ صِحَّتُهُ فَالْإِشْكَالُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ هُنَا مِنْ إرَادَةِ حَلْقِ الْكُلِّ إلَخْ مَمْنُوعٌ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ هُنَا وَقَوْلُهُ وَحَقِيقَتُهُ إزَالَةُ شَعْرِ كُلِّ الرَّأْسِ إلَخْ قَدْ مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَقَوْلُهُ وَلَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَيْسَ هَذَا الْإِشْكَالُ بِصَحِيحٍ كَمَا تَقَرَّرَ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلْجَوَابِ عَنْهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْقَرِينَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّعْمِيمِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقَرِينَةَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِجْمَاعِ قَابِلَةٌ لِلْمَنْعِ بِأَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْحَلْقَ يُجْزِئُهُ حَلْقُ الْبَعْضِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى التَّقْصِيرِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا الْقَرِينَةُ الصَّحِيحَةُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ هُنَاكَ شَعْرًا مُضْمَرًا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ أَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ.
وَقَوْلُهُ إذْ قَدْ يَكُونُ الرُّبْعُ قَائِمًا مَقَامَ الْكُلِّ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْكُلِّ عِنْدَ الْمُخَالِفِ أَيْضًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَوْ عِنْدَكُمْ فَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ اسْتَحْسَنْتُمُوهُ كَمَا هُنَا فَالْقِيَاسُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرَ الِاسْتِحْسَانِ فَبَيِّنُوهُ حَتَّى نَتَكَلَّمَ فِيهِ وَقَوْلُهُ الِاحْتِيَاطُ اقْتَضَى الرُّبْعَ مَمْنُوعٌ بَلْ إنْ أُرِيدَ الِاسْتِنَادُ لِمُجَرَّدِ الِاحْتِيَاطِ فَهُوَ مَعَ أَحْمَدَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ حَلْقِ الْأَكْثَرِ أَوْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ حَلْقِ النِّصْفِ وَأَمَّا الرُّبْعُ فَلَا احْتِيَاطَ فِيهِ يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لَهُ عَلَى النِّصْفِ وَالْأَكْثَرِ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا أَرَادُوا فِي بَابِ الْمَسْحِ الرَّابِعِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَا احْتِيَاطَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنَّمَا الِاحْتِيَاطُ مَعَ الْقَائِلِ بِمَسْحِ الْكُلِّ فَنَتَجَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِتَخْصِيصِ الرُّبْعِ بِالِاعْتِبَارِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْبَابَيْنِ وَإِذَا لَمْ يَصْلُح سَبَبًا لِذَلِكَ فَأُولَى أَنْ لَا يَصْلُحَ سَبَبًا لِاعْتِبَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِ السَّائِلِ أَوْ أَرَادُوا إلَخْ الْمَعْطُوفَ عَلَى أَرَادُوا الْأَوَّلَ الْمُعَلَّلَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي قَوْلِهِ وَلِهَذَا عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ نَظَرَ لِلْمَحِلِّ اُعْتُبِرَ الرُّبْعُ أَوْ إلَى الْآلَةِ اُعْتُبِرَ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ وَكُلُّ مُحْتَمَلٍ فَمَا الْمُرَجِّحُ الرَّاجِحُ مِنْ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ غَيْرَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيهِ أَكْثَرِ أَوْ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ اسْتِحْسَانًا فِي أَحْكَامٍ أُخْرَى عِنْدَكُمْ.
وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ لَا يَكُونُ مُرَجَّحًا لِمَا تَقَرَّرَ قَرِيبًا عَلَى أَنَّ فِي تَشْبِيهِ الْمَحَلَّ بِالْآلَةِ حَتَّى تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ الِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُخَصَّصٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ السَّائِلِ أَنَّ نَظِيرَ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute