للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَقَالَةِ فِي الْمَسْحِ يَأْتِي فِي الْحَلْقِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَهُوَ إنْ صَحَّ مَنْقُولًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ غَيْرُ جَلِيِّ الْمَعْنَى لِمَا هُوَ وَاضِحٌ أَنَّ عِلَّةَ مَسْحِ مِقْدَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ لَا يَأْتِي فِي حَلْقِ مِقْدَارِهَا وَقَوْلُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ قِيَاسًا إلَخْ وَقَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى عَلَى هَذَا إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ بَانَ أَنَّهُ خَفِيٌّ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا لَمْ يُثْبِتُوا عَلَيْهِ الْجِنَايَةَ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ فِي إزَالَةِ دُونَ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَوْ لَا كَفَّارَةَ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ فِي الْوَاحِدَةِ كَفَّارَةٌ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ كَفَّارَةُ الثَّلَاثِ وَمَا دُونَهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ لِمَعْنًى مُنَاسِبٍ لِمَا فِي الْحَلْقِ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إزَالَةَ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ.

وَاتَّفَقُوا أَيْضًا أَنَّ إزَالَةَ مَا دُونَهَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَالْمَلْحَظُ فِي الْمَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفٌ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ صَرِيحُ كَلَامِ السَّائِلِ وَقَوْلُهُ وَوَجْهُ إرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى إلَخْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ مَا قَدَّمْته فِي تَوْجِيهِ اكْتِفَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ بَلْ هَذَا التَّوْجِيهُ لَا يَرْضَاهُ الشَّافِعِيَّةُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ الْخَارِجِ عَنْ قَوَانِينِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَاصِلُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ أَسَاسٍ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ هَدْمِ جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ الْمَبْنِيِّ هُوَ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَجَازَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَأَنَّ الثَّانِيَ أَكْثَرُ يُقَالُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ أَوْلَى هُنَا مِنْ الْأَوَّلِ إلَّا لَوْ كَانَ التَّجَوُّزُ فِيهِ خَاصًّا بِالرُّبْعِ أَوْ بِالثَّلَاثِ أَصَابِعَ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ التَّجَوُّزِ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إضْمَارِ شَعْرٍ أَوْ التَّجَوُّزِ عَنْهُ بِالرَّأْسِ الِاكْتِفَاءُ بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ لَا يَصْدُقُ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا اتِّفَاقًا وَإِنْ صَدَقَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا فَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ وَغَيْرُهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ.

وَأَمَّا الْمَجَازُ الثَّانِي فَيَصْدُقُ عَلَى الرُّبْعِ وَأَقَلَّ مِنْهُ وَأَكْثَرَ مِنْهُ اتِّفَاقًا فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ بِالرُّبْعِ مِنْ حَيْثُ هَذَا الْمَجَازِ فَلَا أَوْلَوِيَّةَ فِيهِ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْهُ هُنَا لِمَا تَقَرَّرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ.

مَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُنَا فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَأَدَامَ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ ثُمَّ رَأَيْت السَّائِلَ لَمَّا اطَّلَعَ عَلَى الْجَوَابِ كَتَبَ وَرَقَةً أُخْرَى صُورَةُ مَا فِيهَا أَمَّا قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ شَعْر رُءُوسِكُمْ وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ أَوْ الْحَذْفِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْإِضْمَارُ أَوْ الْحَذْفُ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِإِسْنَادِ الْفِعْلِ أَوْ شِبْهِهِ إلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ مَعْنًى مُحَصَّلٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] قَالَ أَحْمَدُ بْنُ فَارِسٍ إذَا أَسْنَدْت لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ فَهَهُنَا إضْمَارٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: ٩] أَيْ فِي زُمْرَةِ الصَّالِحِينَ.

وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ حَلَقْت رَأْسِي يَصِحُّ وَيُفِيدُ مِنْ غَيْرِ التَّقْدِيرِ بَلْ التَّقْدِيرُ فِيهِ قَبِيحٌ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَلْقِ إزَالَةُ الشَّعْرِ لَا الْإِزَالَةُ الْمُطْلَقَةُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ حَلَقْت الدَّنَسَ مِنْ بَدَنِي فَلَا يُقَالُ فِي صَحِيحِ الْكَلَامِ حَلَقْت شَعْرَ رَأْسِيِّ وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِ الْفُصَحَاءِ وَلَوْ وَقَعَ لَكَانَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ التَّجْرِيدِ فَإِذَا تَعَلَّقَ هَذَا الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ إلَى مَحِلِّهِ لَا بُدَّ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِجَمِيعِ الْمَحِلِّ كَمَا قَالُوا فِي آيَةِ الْمَسْحِ لَوْ لَمْ تَكُنِ الْبَاءُ مَوْجُودَةٌ لَكَانَ الْوَاجِبُ مَسْحَ الْكُلِّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ تَعَلَّقَ بِمَحَلِّهِ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ هُنَا يُنَافِي مَا أَوْجَبُوهُ لِأَنَّ الشَّعْرَ اسْمُ جِنْسٍ كَمَا قَالَ بِهِ الْقَائِلُ فَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى عَلَى نِصْفِ شَعْرَةٍ أَوْ أَقَلَّ كَمَا أَنَّ الْمَاءَ يُطْلَقُ عَلَى قَطْرَةٍ أَوْ قَطْرَتَيْنِ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ جَمْعٌ فَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَأَيْضًا الْعُرْفُ يُنَافِيهِ فَإِنَّ إطْلَاقَ الشَّعْرِ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءٌ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ حَلْق شَعْرَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا أَخْذًا بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ فَلَا يَثْبُتُ فِي وُجُوبِ حَلْقِ الثَّلَاثِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى حَلْقًا يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبُعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ هَذَا الْكَلَامُ لَا يَنْفَعُهُ إذْ الْخَصْمُ يَقُولُ لَا يُقَالُ بِحَلْقِ الرُّبْعِ وَحَلْقِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ وَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي حَلْقِ الرُّبْعِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ إسْنَادَ حَلْقٍ لَا يَجُوزُ إلَى الرُّبْعِ وَثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ كَانَتْ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الْبَعْضِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت حَلَقَ رَأْسَهُ حَلَقَ رُبْعَهُ أَوْ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ كَانَتْ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَعْضِ مِنْ قَبِيلِ قَوْله تَعَالَى {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [الشعراء: ١٣٣] الْآيَةَ.

وَلَوْ كَانَ فِي الثَّانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>