للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّالِثِ حَقِيقَةً لَكَانَتْ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الْكُلِّ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَأَيْضًا صِحَّةُ قَوْلِهِ يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبْعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْإِضْمَارِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ التَّقْدِيرُ حَلَقْت شَعْرَ رَأْسِهِ وَشَعْرَ رُبْعِهِ وَشَعْرَ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَا يُسَمَّى حَلْقًا بِدُونِ أَكْثَرِهِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ وَاللُّغَةِ وَالْعُرْفُ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ لَا يُسَمَّى حَلْقًا أَيْ حَلْقَ الرَّأْسِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَلْقًا أَصْلًا كَمَا عَرَفْت.

وَأَمَّا قَوْلُهُ فَالْوَاجِبُ فِي الْحَلْقِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ يَأْبَى عَنْهُ كَتَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَفُقَهَاؤُهَا وَاَلَّذِي هُوَ مَشْهُورٌ وَمَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَهُمْ حَلْقُ الْكُلِّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَتِمُّ نُسُكُ الْحَلْق إلَّا بِجَمِيعِ الرَّأْسِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ اُقْتُصِرَ عَلَى الْبَعْضِ فَكَالْعَدِمِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا قَصَّرَ الرَّجُلُ فَلْيَأْخُذْ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَكَذَا فِي حَقِّ الصَّبِيَّانِ وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ إلَّا التَّقْصِيرُ وَلْتَأْخُذْ مِنْ جَمِيعِ قُرُونِهَا وَلَا يَجْزِيهِمَا أَنْ يُقَصِّرَا بَعْضًا وَيُبْقِيَا بَعْضًا وَكَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ فَإِنَّ الصَّحِيحَ الْمَعْمُولَ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ حَلْقُ الْكُلِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِمْ الْمُعْتَبَرَةِ فَمِنْ أَيْنَ يَتَأَتَّى الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ كَوْنِ حَلْقِ الْكُلِّ مُرَادًا مِنْ الْآيَةِ عَلَى أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَا يَحْصُلُ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ كَوْنِهِ إجْمَاعًا عَدِمَ احْتِيَاجَ تَبْيِينِ الْقَرِينَةِ فِي إرَادَتِهِمْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْآيَةِ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهَا مَمْنُوعٌ إذْ عَلَى الْفَقِيهِ بَحْثُ مَعْرِفَةِ مَأْخَذِ مَسَائِلِهِمْ وَطُرُقِ اسْتِنْبَاطِهِمْ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَإِلَّا يَكُنْ مَحْضَ التَّقْلِيدِ وَلَا يُسَمَّى فَقِيهًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنْ يُقَاسَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَلْقَ الْكُلِّ يُجَزِّئهُ حَلْقُ الْبَعْضِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى التَّقْصِيرِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ مِمَّا لَا يَحْصُلُ لَهُ لِأَنَّ النُّسُكَ وَاحِدٌ وَالْمَحَلَّ وَاحِدٌ وَلَا مَعْنَى بِأَنْ يَقُولُ حَلْقُ الْكُلِّ وَاجِبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ وَحَلْقُ الْبَعْضِ وَاجِبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ آخَرَ وَالتَّقْصِيرُ وَاجِبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ آخَرَ بَلْ الْوَاجِبُ فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَوَّلًا أَنْ يَحْلِقَ الْكُلَّ ثُمَّ اكْتَفَى بِالْبَعْضِ يَجُوزُ عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِ الْبَعْضِ وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَوَّلًا الْحَلْقَ ثُمَّ قَصَّرَ يُجَزِّئهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ فَمَمْنُوعٌ فَفِيهِ أَنَّ الْمَنْعَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى النَّاقِلِ وَهُوَ نَاقِلٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ تَصْحِيحُ النَّقْلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَوَجُّهِ الْمَنْعِ هَذَا الْمَنْعُ لَا يَضُرُّ إذْ الْإِشْكَالُ بَاقٍ لِأَنَّ نَظِيرَهُ عَلَى أَنَّ إرَادَةَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَاتُ بَعْضِهِمْ أَوْ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ.

وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ فَهُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ فِي كُتُبِ كُلٌّ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَا يَحْتَمِلهُ الْمَقَامُ وَأَمَّا تَجْوِيزُ النَّقْلِ وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْآيَةِ فَلَا مَعْنَى لَهُ أَمَّا الِاشْتِرَاكُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا النَّقْلُ فَلِأَنَّ النَّقْلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَلْقٍ أَوْ الرَّأْسِ وَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ لَا يَكُونُ إلَّا اسْمًا وَحَلَقَ هُنَا لَمْ يُنْقَلْ مِنْ الْفِعْلِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ وَكَذَا الثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ النَّقْلَ وَضْعٌ ثَانٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الرَّأْسَ مَوْضُوعٌ لِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ مِمَّا لَا قَائِلَ بِهِ هَذَا حَالُ أُصُولِ مُقَدِّمَاتِهِ وَفُرُوعُهَا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَالْحَقُّ وَالْإِنْصَافُ أَنَّ سُؤَالَ السَّائِلِ مُوَجَّهٌ لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ لِهَذِهِ الْمُقَدَّمَاتِ وَلَيْسَ الْمُخَلِّصُ مِنْهُ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ وَأَمَّا وَجْهُ إرَادَةِ الْحَنَفِيَّةِ الرُّبْعَ فَلِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْبَابَيْنِ عِنْدَهُمْ مُتَّحِدٌ كَمَالِكٍ.

وَبَيَانُهُ أَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ تَعَلَّقَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ بِمَحَلِّهِ وَالْمَحَلُّ وَاحِدٌ وَهُوَ الرَّأْسُ وَلِهَذَا يُوجِبَانِ إمْرَارَ الْمُوسَى عَلَى الرَّأْسِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّعْرِ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَوَّلِ الْكُلُّ كَذَلِكَ الْمُرَادُ مِنْ الثَّانِي وَكَمَا أَنَّ الْمُرَاد عِنْد أَبِي حَنِيفَة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَوَّل الرُّبْع كَذَلِكَ فِي الثَّانِي وَكَذَا عِنْد أَحْمَدَ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِمْ أَنَّهُ يَجِب حَلْقُ الْكُلِّ وَهُوَ صَحِيحٌ وَالْأَكْثَر لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْكُلِّ كَمَا فِي الْمَسْحِ فَإِنَّ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا الصَّحِيحُ مَسْحُ الْكُلِّ وَرُوِيَ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>