للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي أَضْمَرْنَا فِيهَا لَيْسَتْ مِمَّا يَصِحُّ الْمَعْنَى فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْإِضْمَارِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَحَاطَ بِكَلَامِ اللُّغَوِيِّينَ الْمُصَرِّحِ بِأَنَّ الْحَلْقَ إذَا أُطْلِقَ لُغَةً يَكُونُ لِمُطْلَقِ الْإِزَالَةِ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْمُسْتَشْكِلُ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ حَلَقْتُ الدَّنَسَ عَنْ ثَوْبِي يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عُرْفًا فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُجْدِيهِ هُنَا أَوْ لُغَةٌ فَلَيْسَ كَذَلِكَ.

وَالنُّصُوصُ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى عُرْفِ الشَّارِعِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى اللُّغَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ فَعَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ فَالْخَاصِّ كَمَا فِي الْأَيْمَانِ وَالْإِحْيَاءِ، وَالْحِرْزُ فِي السَّرِقَةِ وَالْقَبْضُ فِي الْمَبِيعِ مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ ضَابِطٌ لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْحَلْقُ لَا يَصِحُّ تَسَلُّطُهُ عَلَى الرَّأْسِ الْمُرَادِ بِهِ الْبَشَرَةُ فَوَجَبَ تَقْدِيرُ مَا يُتِمُّ الْمَعْنَى الْمُرَادُ بِهِ وَهُوَ شَعْرٌ وَحِينَئِذٍ انْدَفَعَ قَوْلُهُ إنْ حَلَقْت رَأْسِي يُفِيدُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَقَوْلُهُ بَلْ التَّقْدِيرُ فِيهِ قَبِيحٌ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا الِاسْتِقْبَاحُ مَعَ تَعْلِيلِهِ لَهُ بِمَا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ بَلْ هُوَ مَحْضُ ادِّعَاءٍ سِيَّمَا مَعَ مَنْ يُنَازِعُهُ فِيهِ وَيَقُولُ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا مَعَ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ إنْ حَلَقَ هُنَا لَا يَصِحُّ تَسَلُّطُهُ عَلَى مَفْعُولِهِ أَيْ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ الْمُرَادُ بِهِ الْبَشَرَةُ إلَّا بِإِضْمَارٍ فَهَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ مَا زَعَمَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَلْقِ إلَى قَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ التَّحْدِيدِ.

إمَّا يَدْفَعُ قَوْلَهُ لَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِ الْفُصَحَاءِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الصِّحَاحِ الْمُبَيِّنِ لِلْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ وَقَعَ لَكَانَ مَجَازًا يَرُدُّهُ أَنَّهُ وَقَعَ كَمَا تَقَرَّرَ وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ لَا يُقَالُ أَيْضًا وَقَعَ حَلْقُ رَأْسِهِ فَمَا الرَّاجِحُ لِأَنَّا نَقُولُ حَلَقَ شَعْرَهُ لَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ وَلَا فِي احْتِيَاجِهِ لِتَقْدِيرٍ بِخِلَافِ حَلْق رَأْسِهِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ وَقَوْلُهُ كَمَا قَالُوهُ فِي آيَةِ الْمَسْحِ إلَخْ قَدْ تَقَرَّرَ غَيْرَ مَرَّةٍ بُطْلَانُ قِيَاسِ مَا هُنَا عَلَى الْمَسْحِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَسْحِ ثُمَّ بِالرَّأْسِ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ إجْمَاعًا سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهِ الْبَشَرَةَ أَوْ الشَّعْرَ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْمُسْتَشْكِلُ وَهُنَا لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ الْحَلْقِ بِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَشَرَةُ إلَّا بِتَقْدِيرٍ وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ فَذَلِكَ الْمُقَدَّرُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ.

فَإِنْ قُلْت بَلْ يَقْتَضِيه لِأَنَّهُ مُضَافٌ فَيَعُمُّ قُلْت مِنْ أَيْنَ لَك أَنَّا إذَا أَضْمَرْنَاهُ يَكُونُ مُضَافًا بَلْ يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ نَكِرَةً مَقْطُوعَةً عَنْ الْإِضَافَةِ أَيْ شَعْرٌ مَنْ رُءُوسِكُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ هُنَا يُنَافِي مَا أَوْجَبُوهُ لِأَنَّ الشَّعْرَ اسْمُ جِنْسٍ إلَخْ فَفِيهِ تَلْبِيسٌ وَتَمْوِيهٌ وَغَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إمَّا جَمْعِيٌّ أَوْ إفْرَادِيٌّ فَالْأَوَّلُ كَشَعْرٍ وَتَمُرُّ فِي حُكْمِ الْجَمْعِ وَالثَّانِي كَمَاءٍ وَعَسَلٍ فِي حُكْمٍ الْمُفْرَدِ وَحِينَئِذٍ فَانْظُرْ إلَى مَا فِي غُضُونِ كَلَامِهِ هَذَا مِنْ الْإِيهَامِ وَالتَّمْوِيهِ سِيَّمَا قَوْلُهُ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ جَمْعٌ إلَخْ فَإِنَّا لَمْ نَقُلْ إنَّهُ جَمْعٌ عَلَى أَنَّ اللُّغَوِيِّينَ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ جَمْعٌ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَالصَّرْفِيُّونَ وَهُوَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ أَيْ جَمْعِيٌّ وَاسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيُّ فِي حُكْمِ الْجَمْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ.

أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ التُّرَابِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٍّ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ لِأَنَّهُ سُمِعَ تُرَابَةٌ وَقَعَ ثَلَاثٌ وَحِينَئِذٍ بَطَلَ قَوْلُهُ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ حَلْقُ شَعْرَة إلَخْ عَلَى أَنَّ لَنَا احْتِمَالًا بَعِيدًا بَلْ شَاذًّا لَا يُعَدُّ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ يُجْزِئُ حَلْقُ شَعْرَةٍ تَخْرِيجًا مِنْ لُزُومِ الْفِدْيَةِ بِحَلْقِهَا لَا لِمَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ لِأَنَّ مَدَارِكَ الْمُجْتَهِدِينَ تَنْبُو عَنْهُ وَغَلِطَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَيْضًا وَغَيْرُهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ تَخْرِيجَ الْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى الْحَلْقِ هُنَا فَأَوْجَبُوا مَسْحَ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ قِيَاسًا عَلَى لُزُومِ حَلْقِهَا.

وَرَدَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْحَلْقِ الشَّعْرُ وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ مُحَلِّقِينَ شَعْرَ رُءُوسِكُمْ وَالشَّعْرُ أَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ فِي الْحَلْقِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالشَّعْرِ وَيَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا التَّخْرِيجِ وَتَزْيِيفِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ هَذَا الْكَلَامُ لَا يَنْفَعُهُ إذْ الْخَصْمُ يَقُولُ إلَخْ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَ الْخَصْمِ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي لَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ الْحَلْقُ الرُّبْعُ وَحَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ الْمُرَادَ بِهِ الْبَشَرَةُ غَيْرُ مُرَادٍ لِاسْتِحَالَتِهِ بِدُونِ الْمُضْمَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِهِ بُطْلَانُ إرَادَةِ الْكُلِّ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>