للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زَعَمَهُ هَذَا الْخَصْمُ وَبُطْلَانُ قَوْلِهِ.

وَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي حَلْقِ الرُّبْعِ إلَخْ إذْ لَا مَجَازَ فِي ذَلِكَ بَلْ إسْنَادُهُ إلَى الشَّعْرِ حَقِيقَةٌ وَكَذَا إلَى ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ أَوْ الْأَكْثَرِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُسْأَلُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ سَبَبُ التَّحْدِيدِ بِالثَّلَاثِ وَبِالرُّبْعِ.

فَأَمَّا الثَّلَاثُ فَقَدْ وَجَّهْنَاهُ فِيمَا مَرَّ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَهِيَ الْمُتَيَقَّنَةُ وَمَا عَدَاهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِيجَابِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَأَمَّا الرُّبْعُ فَلَمْ يُبْدِ الْمُسْتَشْكِلُ عَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ مَعْنَى يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ أَلَا تَرَى إلَخْ مُجَرَّدُ دَعْوَى بِلَا مُسْتَنَدٍ إلَيْهِ بَلْ كَلَامُهُمْ صَرِيحٌ فِي بُطْلَانِهَا وَمَنْ ذَا الَّذِي صَرَّحَ بِالتَّلَازُمِ بَيْنَ كَوْنِ التَّابِعِ بَدَلَ بَعْضٍ وَكَوْنِهِ مَجَازًا الْمُصَرَّحُ بِهِ كَلَامُ الْمُسْتَشْكِلِ هَذَا مِمَّا لَا قَائِلَ بِهِ فَعَلَى مَنْ ادَّعَاهُ بَيَانُهُ وَلَا تَظْفَرُ بِهِ وَمِمَّا يُبْطِلُهُ تَمْثِيلُهُمْ لِبَدَلِ الْبَعْضِ بِأَكَلْتُ الرَّغِيفَ أَكَلْت ثُلُثَهُ فَهَلْ هَذَا الثَّانِي مَجَازٌ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عُكِسَ لَرُبَّمَا اسْتَقَامَ كَلَامُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْهُ هُنَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ فِي الْبَدَلِ هُوَ الثَّانِي وَتَأَمَّلْ مَا فِي قَوْلِنَا الْأَصْلِيِّ مِنْ الْجَوَابِ عَلَى الْإِيرَادِ الطَّوِيلِ الْمُقَرَّرِ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفَنِّ فَفِي الْمِثَالِ السَّابِقِ الْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ أَصَالَةُ الْإِسْنَادِ إلَى الثُّلُثِ فَهُوَ إلَى الرَّغِيفِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُهُ كَمَا بَيَّنَهُ ذِكْرُ الْبَدَلِ فَمَعَ هَذَا الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى فَاضِلٍ كَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ فِي بَدَلِ الْبَعْضِ مُجَازَانِ الْأَوَّلُ حَقِيقَةٌ.

ثُمَّ رَأَيْتُ الرَّضِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَالْفَائِدَةُ فِي بَدَلِ الْبَعْضِ وَالِاشْتِمَالِ الْبَيَانُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْسِيرُ بَعْدَ الْإِبْهَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّأْثِيرِ فِي النَّفْسِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ تَحَقَّقَ بِالثَّانِي بَعْدَ التَّجَوُّزِ وَالْمُسَامَحَةُ فِي الْأَوَّلِ تَقُولُ أَكَلْت الرَّغِيفَ ثُلُثَهُ فَتَقْصِدُ بِالرَّغِيفِ ثُلُثَ الرَّغِيفِ ثُمَّ تُبَيِّنُ ذَلِكَ بِقَوْلِك ثُلُثَهُ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَبِهِ يُعْلَمُ صِحَّةُ مَا قُلْنَاهُ دُونَ غَيْرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَيْضًا صِحَّةُ قَوْلِهِ يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبْعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْإِضْمَارِ إلَخْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى عِلَّتِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَا لَكَانَ التَّقْدِيرُ إلَخْ. وَهَذَا التَّلَازُمُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبْعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ أَيْ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ شَائِعٌ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ وَإِنْ كَانَ اثْنَانِ مِنْهَا يَحْتَاجَانِ إلَى إضْمَارٍ بِخِلَافِ الثَّالِثِ وَظَنَّ الْمُسْتَشْكِلُ أَنَّ الْإِضْمَارَ فِي الثَّالِثِ أَيْضًا فَأَفْسَدَهُ بِقَوْلِهِ وَشَعْرُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ وَمَا دَرَى أَنَّ الْإِضْمَارَ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا إذَا عَلِقَ بِالْبَشَرَةِ الَّتِي هِيَ الرَّأْسُ أَوْ بِبَعْضِ الْبَشَرَةِ.

وَأَمَّا إذَا عَلِقَ بِالشَّعْرِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ كَمَا صَرَّحْنَا بِهِ فِيمَا سَبَقَ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَسُوغُ لِفَاضِلٍ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ صِحَّةَ قَوْلِنَا يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبْعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ التَّقْدِيرَ حَلَقَ شَعْرَ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ هَذَا تَمْوِيهٌ عَظِيمٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَقِبَ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ إلَخْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا وَإِنْ سَلَّمَ لَهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ لَا يُسَمَّى حَلْقًا أَيْ حَلْقَ الرَّأْسِ لِمَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ أَيْ لِخَفَاءِ الْأَوَّلِ وَظُهُورِ الثَّانِي عَلَى أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُسَمَّى حَلْقًا بِدُونِ أَكْثَرِهِ مُنْدَفِعٌ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا نَفْيَ التَّسْمِيَةِ حَقِيقَةً فَهَذَا لَا يُسَمَّى حَلْقُ الرَّأْسِ بِدُونِ أَكْثَرِهِ وَلَا بِدُونِ أَقَلِّهِ فَقَوْلُهُمْ بِدُونِ أَكْثَرِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ يَسُمَّاهُ بِدُونِ أَقَلِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

وَإِنْ أَرَادُوا نَفْيَ التَّسْمِيَةِ مَجَازًا فَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ فَاتَّضَحَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ لَا يَدْفَعُ كَلَامَ النَّوَوِيِّ وَأَنَّ هَذَا الْمُسْتَشْكِلَ لَوْ سُكِتَ عَنْهُ لَكَانَ أَوْلَى بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَأْبَى عَنْهُ كُتُبُ الْمَالِكِيَّةِ إلَخْ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُعَبَّرَ بِقَوْلِهِ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ الثِّقَةُ الْعَدْلُ الْأَمِينُ فِيمَا يَنْقُلُهُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ صَحَّ مَا ذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ نَفْسِهِمَا تَعَيَّنَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ أَجْمَعْنَا وَمَا بَعْدَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَإِجْمَاعُ الْأَكْثَرِ قَدْ يَكُونُ قَرِينَةً وَقَدْ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْخَصْمِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْخَطَأَ إلَى الْقَلِيلِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْكَثِيرِ وَأُوضِحَ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْقَوْلَ عِنْدَهُمْ بِوُجُوبِ التَّعْمِيمِ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِالْآيَةِ وَإِنَّمَا اسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إلَى فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>