الْمُؤَيَّدِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى وُجُوبِ التَّعْمِيمِ إلَّا إنْ نَظَرُوا لِمَا أَبْدَاهُ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ لَكِنْ مَرَّ الْجَوَابُ عَنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَدَمُ احْتِيَاجِ تَبْيِينِ الْقَرِينَةِ إلَخْ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ وَهِيَ عَدَمُ دَلَالَتِهَا عَلَى إرَادَةِ الْكُلِّ وَالرُّبْعِ وَظُهُورُهَا فِي إرَادَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٌّ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ فَهِيَ الْمُتَيَقَّنَةُ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَمْ يُوجِبْهُ فَأَيُّ قَرِينَةٍ يُطْلَبُ بَيَانُهَا مَعَ ذِكْرِنَا هَذَا هُنَا مُخْتَصَرًا وَفِيمَا مَرَّ مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ مِمَّا لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هُوَ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ فَهْمِك لَهُ وَإِحَاطَتِك بِهِ وَرُبَّمَا أُشِيرَ إلَيْهِ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْآيَةِ أَنَّ قِسْمًا يَحْلِقُ وَقِسْمًا يُقَصِّرُ فَأَيُّ دَلِيلٍ فِي الْآيَةِ مِنْ حَيْثُ لَفْظِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْحَلْقَ الْأَفْضَلَ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ بَعْدَ إرَادَتِهِ لَهُ وَعَزْمِهِ عَلَيْهِ إلَى التَّقْصِيرِ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّ جَوَازَ التَّقْصِيرِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ بِالْحَلْقِ لِمَنْ أَرَادَهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاطُ فِي الْفَاضِلِ مَا لَا يَحْتَاطُ فِي الْمَفْضُولِ وَلِأَنَّ الْحَلْقَ يُشْبِهُ الْعَزِيمَةَ وَالتَّقْصِيرَ يُشْبِهُ الرُّخْصَةَ وَقِيَاسُ تِلْكَ عَلَى هَذِهِ مَمْنُوعٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْ إيضَاحَ رَدِّ جَوَابِ الْبَعْضِ الَّذِي ذَكَرْته مُنْتَصِرًا لَهُ بِمَا لَا يَنْصُرُهُ وَقَوْلُهُ فَفِيهِ أَنَّ الْمَنْعَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى النَّاقِلِ يُقَالُ عَلَيْهِ بَلْ إذَا أَسْنَدَ حُكْمًا إلَى كُتُبِ قَوْمٍ وَلَيْسَ فِيهَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ أَوْ التَّسَاهُلِ فِي النَّقْلِ وَمَذْهَبُنَا لَمْ يَجْرِ فِيهِ قَوْلٌ بِأَنَّ الْبَابَيْنِ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ إذْ الْإِشْكَالُ بَاقٍ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّا وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْآيَةِ لَا إشْكَالَ فِيهَا بِوَجْهٍ بَعْدَ مَا قَرَّرْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ السَّابِقَةِ مِنْ أَنَّ فِيهَا إضْمَارًا وَأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٌّ وَأَنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثٌ فَظَاهِرُهَا لَا يُنَافِي مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُنَافِي مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالرُّبْعِ فَإِشْكَالُكُمْ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْنَا بَلْ عَلَيْكُمْ لَكِنْ لَا مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا بَلْ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهِيَ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالرُّبْعِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ لِأَنَّ الشَّعْرَ الْمُضْمَرَ يَشْمَلُ الثَّلَاثَ وَأَكْثَرَ فَقَصْرُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الثَّلَاثِ وَقَصْرُ الْأَكْثَرِ مِنْهَا عَلَى الرُّبْعِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ.
وَالْقِيَاسُ عَلَى الْجِنَايَةِ فِي الْحَجِّ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالرُّبْعِ فِي الْأَصْلِ مُنَازَعٌ فِيهِ أَيْضًا إذْ لَمْ يَذْكُرُوا دَلِيلَهُ فِيمَا عَلِمْت فَكَيْفَ يَتَأَتَّى الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلٍ مُنَازَعٍ فِيهِ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهِ الْمُعْتَرِضُ وَالْمُسْتَدِلُّ وَلَا ظَهَرَ دَلِيلُهُ وَقَوْلُهُ إنَّ تَجْوِيزَ النَّقْلِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي الْآيَةِ لَا مَعْنَى لَهُ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَغَفْلَةٍ عَنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَوْ عَنْ فَهْمِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا مِنْ تَعَارُضِ التَّخْصِيصِ وَالِاشْتِرَاكِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْ مَا وَطِئُوهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ فَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ مَزْنِيَّةُ أَبِيهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْ مَا عَقَدُوا عَلَيْهِ فَلَا يَحْرُمُ قَالُوا وَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ الِاشْتِرَاكُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ حَتَّى إنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيَّ أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ نَحْو حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَاشْتِرَاطُ الْوَطْءِ فِي هَذِهِ عُلِمَ مِنْ السُّنَّةِ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ التَّخْصِيصُ حَيْثُ قَالَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَبُوهُ فَاسِدًا كَالصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا فَانْظُرْ إلَى إلْزَامِ الْأَوَّلِ بِالِاشْتِرَاكِ مَعَ أَنَّهُ قَائِلُ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ لَكِنْ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْعَقْدِ صَارَ كَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ حَتَّى عِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ فَأُلْزِمَ بِالِاشْتِرَاكِ لِذَلِكَ.
وَمِنْ تَعَارُضِ الْإِضْمَارِ وَالِاشْتِرَاكِ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] أَيْ أَهْلَهَا وَقِيلَ الْقَرْيَةُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَهْلِ كَالْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا وَمِنْ تَعَارُضِ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] أَيْ الْعِبَادَةَ الْمَخْصُوصَةَ فَقِيلَ هِيَ مَجَازٌ فِيهَا عَنْ الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَقِيلَ نُقِلَ شَرْعًا إلَيْهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْهُ مُؤَيِّدًا لِمَا ذَكَرْته مِنْ احْتِمَالِ الِاشْتِرَاكِ وَالنَّقْلِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي احْتِمَالِهِمَا تَحَقُّقُهُمَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ إذَا احْتَمَلَ لَفْظٌ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي بَعْضٍ أَنْ يَكُونَ فِي آخَرَ حَقِيقَةً وَمَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً وَمَنْقُولًا فَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ الْمَنْقُولِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ الْمُؤَدِّي إلَى الِاشْتِرَاكِ فَالْأَوَّلُ كَالنِّكَاحِ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَقِيلَ الْعَكْسُ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute