فِي أَحَدِهِمَا مُحَصِّلٌ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْآخَرِ.
وَالثَّانِي كَالزَّكَاةِ حَقِيقَةٌ فِي النَّمَاءِ أَيْ الزِّيَادَةِ مُحْتَمَلٌ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَالِ لَأَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً أَيْضًا أَيْ لُغَوِيَّةً وَمَنْقُولًا شَرْعًا فَكَذَلِكَ نَقُولُ الرَّأْسُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَشَرَةِ مُحْتَمَلٌ فِي الشَّعْرِ لَأَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً أَيْضًا أَيْ لُغَوِيَّةً أَوْ مَنْقُولًا شَرْعِيًّا فَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقَرْيَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ يَظْهَرُ لَك مَا زَعَمَهُ هَذَا الْمُسْتَشْكِلُ سِيَّمَا قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّقْلَ وَضْعٌ ثَانٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الرَّأْسُ مَوْضُوعٌ لِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ مِمَّا لَا قَائِلَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي زَعَمَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ أَنَّ ادِّعَاءَ النَّقْلِ أَوْ الِاشْتِرَاكِ يَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ وَضْعِهِمْ لِذَلِكَ الْمُحْتَمَلِ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي حَقِيقَةً أَوْ مَنْقُولًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا كَمَا عَلِمْته وَقَوْلُهُ هَذَا حَالُ أُصُولِ مُقَدِّمَاتِهِ وَفُرُوعِهَا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ بَانَ أَنَّ كُلَّ مُقَدِّمَةٍ مِنْهَا وَأَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا مَبْنِيٌّ إمَّا عَلَى عَدَمِ الْإِحَاطَةِ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَوْ عَلَى الْوَهْمِ فِي فَهْمِهِ وَإِمَّا عَلَى مُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَمَا بَانَ ذَلِكَ وَاتَّضَحَ.
وَقَوْلُهُ فَالْحَقُّ وَالْإِنْصَافُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا زَعَمَهُ وَقَدْ بَانَ وَاتَّضَحَ بُطْلَانُ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابِ مَعًا فِيمَا سَبَقَ وَفِي هَذَا الثَّانِي أَيْضًا وَأَمَّا قَوْلُهُ وَجْهُ إرَادَةِ الْحَنَفِيَّةِ الرُّبْعُ إلَخْ فَيُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يَأْتِ فِيهِ بِطَائِلٍ يَنْفَعُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالْمَسْحُ عَلَى النَّاصِيَةِ لَا يَشْهَدُ لَهُ سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ عَلَى مُؤَكِّدَةً لِلِاسْتِيعَابِ أَوْ زَائِدَةً لِأَنَّ النَّاصِيَةَ لُغَةً وَشَرْعًا مَا بَيْنَ النَّزْعَتَيْنِ وَهُوَ دُونَ نِصْفِ الرُّبْعِ بِكَثِيرٍ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى الِاحْتِيَاطُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَقَوْلُهُ وَفِعْلُ الْمَسْحِ إذَا عَلِقَ بِالْمَحَلِّ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَا مُنَازَعَةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا الْمُنَازَعَةُ فِي أَنَّ اسْتِيعَابَ النَّاصِيَةِ يَقْتَضِي التَّحْدِيدَ بِالرُّبْعِ وَهِيَ دُونَ نِصْفِهِ بِكَثِيرٍ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِكَلَامِ الْحُكَمَاءِ فَغَيْرُ نَافِعٍ لَهُ بَلْ هُوَ اخْتِرَاعُ طَرِيقَةٍ لَمْ تُؤْلَفْ قَبْلَهُ وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ حُبُّ التَّكَثُّرِ وَالتَّشَيُّعِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُتَشَيِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» وَعَجِيبٌ ظَنُّهُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِكَلَامِ الْحُكَمَاءِ يَنْفَعُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَغَفْلَتُهُ عَنْ أَنَّهُمْ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِمْ سِيَّمَا فِي الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةِ وَلَوْ تُرِكَ ذِكْرُ مَا قَالُوهُ لَكَانَ أَوْلَى بِهَذَا وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلِلَّهِ تَعَالَى أَتَمُّ الْحَمْدِ وَأَكْمَلُهُ عَلَى أَنْ أَبْقَى فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُؤْذِنَةِ حَوَادِثُهَا بِتَغَيُّرِ الْعَالَمِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْدِيَةٍ لِلْفَضْلِ لَمْ تَزَلْ بِالْعُلَمَاءِ عَامِرَةٌ وَرِيَاضُ التَّحْقِيقِ يَانِعَةٌ أَشْجَارُهَا مُثْمِرَةٌ أَجِلَّاءٌ يَتَحَادَثُونَ أَزِمَّةَ الْأَدِلَّةِ وَيَتَجَاوَزُونَ فِي الْبَحْثِ الْأَقْيِسَةِ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ مَعَ إبْدَاءِ كُلِّ مَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ كَدَرٍ بَيْنَهُمْ وَإِنْ سَلَّ كُلٌّ مِنْهُمْ حَدَّهُ لِمَا أَنَّهَا سُيُوفٌ لَا تُسَلّ إلَّا فِي الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا بِحَسَبِ مَا رَأَى كُلٌّ مِنْهُمْ وَاسْتَظْهَرَ وَهِيَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مُؤْتَلِفَةٌ جَحَدَ ذَلِكَ مَنْ جَحَدَهُ وَعَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ أَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ الْجَوَادَ أَنْ يَمْنَحَنَا رِضَاهُ فِي دَارَيْ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْحَجِّ عَلَيْهِ فَحَجَّ عَنْهُ آخَرُ مُتَطَوِّعًا وَلَمْ يَنْوِ بِحَجِّهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَلْ نَوَى بِهِ التَّنَفُّلَ عَنْ الْمَيِّتِ ظَنًّا مِنْهُ جَوَازَ ذَلِكَ فَهَلْ يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَيِّتِ؟
(فَأَجَابَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِوُقُوعِ الْحَجِّ لِلْمُبَاشِرِ دُونَ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالُ بِوُقُوعِهِ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يُوصِهِ بِهِ بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَيَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ نِيَّتِهِ عَنْ الْغَيْرِ وُقُوعُ الْحَجِّ لِنَفْسِهِ فَإِنْ قُلْت الْقِيَاسُ وُقُوعُهُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ كَمَا أَنَّ مَنْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ النَّفَلَ وَعَلَيْهِ فَرْضٌ تَبْطُلُ نِيَّتُهُ وَيَقَعُ حَجُّهُ عَنْ الْفَرْضِ قُلْت هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا وَلَهُ وَجْهٌ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ مُمْكِنٌ بَلْ ظَاهِرٌ فَإِنَّ بُطْلَانَ النِّيَّةِ حَيْثُ وُجِدَ وَالْإِنْسَانُ حَاجٌّ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ صَرْفُ الْحَجِّ حِينَئِذٍ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ الْغَيْرَ وَكَانَ الْقِيَاسُ مَعَ بُطْلَانِ النِّيَّةِ أَنْ لَا يَقَعَ الْحَجُّ عَنْ أَحَدٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ فَرْقٌ وَاضِحٌ هُوَ مَا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ جَعَلُوهُ وَاقِعًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ مُسَارَعَةً لِبَرَاءَتِهَا فَلَمْ يَكُنْ فَسَادُ النِّيَّةِ مُوجِبًا لِإِلْغَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ مُلْغِيًا لِخُصُوصِ النَّفْلِ فَحَسْبُ.
وَيَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ ذَلِكَ وَحْدَهُ الْوُقُوعُ عَمَّا اسْتَقَرَّ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ وَأَمَّا الْحَجُّ عَنْ الْغَيْرِ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَإِذَا فَسَدَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute