النِّيَّةُ فِيهِ لَزِمَ وُقُوعُهُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ الْوُقُوعُ عَنْ الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُتَعَرِّضَةَ لَهُ قَدْ فَسَدَتْ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ لَهُ شَيْءٌ بِدُونِ نِيَّةٍ وَشَاهِدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَجِيرَ لِلْحَجِّ مَثَلًا لَوْ نَوَاهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ انْصَرَفَا جَمِيعًا لِلْأَجِيرِ وَلَمْ يَقَعْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْهُمَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمَّ الْحَجَّ لِلْعُمْرَةِ صَارَ نَاوِيًا مَا لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ لَهُ وَحَيْثُ نَوَى مَا لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ لَهُ انْقَلَبَ لِلْأَجِيرِ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ نَوَى أَجِيرٌ الْحَجَّ قِرَانًا فَقَطْ لِلْمُسْتَأْجِرِ الَّذِي لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ وَلِنَفْسِهِ أَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لِمُسْتَأْجِرِهِ وَلِنَفْسِهِ فَيَقَعُ لِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَا يَقَعُ لِلْمُسْتَأْجِرِ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ لَهُ وَالنُّسُكَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ فَلَزِمَ الْوُقُوعُ لِلْأَجِيرِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي مَا ذَكَرْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قَوْلُهُمْ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَعْضُوبٌ لِنَذْرِهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَنَوَى الْأَجِيرُ النَّذْرَ وَقَعَ لِفَرْضِ الْإِسْلَامِ قُلْت أَجِيرُ الْمَعْضُوبِ نَائِبٌ عَنْهُ فَنَزَلَ مَنْزِلَتَهُ وَأَمَّا الْمُبَاشِرُ فِي صُورَةِ السُّؤْلِ فَلَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَطَوِّعٌ عَنْهُ وَقَدْ نَوَى مَا لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ لَهُ هُنَا بِوَجْهٍ فَإِنْ حَجَّ النَّفَلَ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَكَذَا لَا يَصِحُّ عَمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَوْصَى بِهِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ وُقُوعُ الْمَنْوِيِّ هُنَا عَنْ الْمَيِّتِ لَزِمَ وُقُوعُهُ لِلْمُتَطَوِّعِ وَلَمَّا لَمْ يَتَعَذَّرْ وُقُوعُ النَّذْرِ عَنْ الْمَعْضُوبِ مَعَ كَوْنِ الْحَاجِّ نَائِبُهُ وَقَعَ عَمَّا عَلَى الْمَعْضُوبِ وَهُوَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَأَيْضًا فَالنَّذْرُ مِنْ جِنْسِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ مَانِعَةً لِوُقُوعِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَأْجَرَهُ لِلنَّذْرِ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْوَاجِبِ الَّذِي عَلَيْهِ الصَّادِقِ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالنُّذُورُ وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ مُقَدَّمَةٌ فَلَغَتْ نِيَّةَ النَّذْرِ وَوَقَعَ مَا أَتَى بِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَحَجَّةُ التَّطَوُّعِ فَمُتَبَايِنَتَانِ فَإِذَا نَوَى النَّفَلَ بَطَلَ وَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُخَلِّفَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لِتَعَذُّرِ وُقُوعِهِ لِلْمَيِّتِ فَوَقَعَ لِلْمُبَاشَرِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْحَجَّ شَدِيدُ التَّشَبُّثِ وَاللُّزُومِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَفْسُدْ بِفَسَادِ نِيَّتِهِ مَعَ تَطَلُّعِ الشَّارِعِ إلَى إسْقَاطِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْغَيْرِ مَا أَمْكَنَ فَمِنْ ثَمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ خُصُوصِ نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ بُطْلَانَ عُمُومِ النِّيَّةِ عَنْ الْغَيْرِ فَلَزِمَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ الْوُقُوعُ عَنْ الْغَيْرِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ أَبَاحَ التَّبَرُّعَ بِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْإِذْنِ وَالْقَرَابَةِ إلْحَاقًا لَهُ بِالدُّيُونِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ فِي أَنَّ الْخَطَأَ فِي طَرِيقِ أَدَاءِ الدُّيُونِ لَا يَمْنَعُ إبْرَاءَهَا لِذِمَّةِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ فَكَذَلِكَ الْخَطَأُ هُنَا.
وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِيمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَجٍّ فَقَرَنَ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْمُلْغَى هُنَا نِيَّةُ النُّسُكِ فَقَطْ دُونَ ذَاتِهِ وَهُنَاكَ جُزْؤُهُ لِأَنَّا إذَا أَوْقَعْنَاهُ عَنْ الْغَيْرِ يَلْزَمنَا إمَّا إبْطَالُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الَّتِي ضَمَّهَا إلَى الْحَجِّ مِنْ أَصْلِهَا وَهَذَا مُتَعَذَّرٌ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالنُّسُكِ فِي الْوَقْتِ الْقَابِلِ لَهُ لَا يَقْبَلُ الْإِلْغَاءَ وَأَمَّا وُقُوعُهَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ تَبَرُّعًا مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ أَيْضًا فَلَزِمَ وُقُوعُهُمَا لِلْمُبَاشِرِ وَأُلْغِيَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ حِينَئِذٍ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِمَّا قَرَّرَتْهُ وَأَمَّا هُنَا فَلَا يَلْزَمُ عَلَى إلْغَاءِ خُصُوصِ النَّفْلِيَّةِ وَصِحَّةُ عُمُومِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إلَّا إبْطَالُ صِفَةٍ لِلنُّسُكِ دُونَ أَصْلِهِ وَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَكَّلَ فَقِيهًا بِإِجَارَةِ النُّسُكَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ بَاشَرَهُمَا هَلْ يَكْفِي عِلْمُهُ لَهُمَا بِالْمُطَالَعَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَكَيْفَ الْحِيلَةُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْوَكِيلِ مَعَ عَدَمِ كَوْنِهِ طَرِيقًا لِلْمُطَالَبَةِ بِالْأُجْرَةِ وَإِذَا قُرِئَ عَلَى الْمُوَكَّلِ أَعْمَالُ النُّسُكَيْنِ أَعْنِي الْوَاجِبَاتِ وَشَيْئًا مِنْ السُّنَنِ لِيَعْقِدَ لِنَفْسِهِ فَعَقَدَ مَا الْحُكْمُ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ عَمَّنْ مَاتَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْهُ وَإِلْزَامُ وَرَثَتِهِ بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوْ كَانَ وَهُوَ غَائِبٌ هَلْ الْقَاضِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ تَقْلِيلِ الْأُجْرَةِ مَا أَمْكَنَ وَإِذَا بَادَرَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَأَجَّرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ أَوْ كَانَ حَائِزًا وَلَمْ يُرَاجِعْ الْقَاضِي مَا حُكْمُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الشَّرْطُ عِلْمُ الْمُبَاشِرِ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ بِأَعْمَالِهَا فَيَكْفِي عِلْمُ الْوَكِيلِ بِذَلِكَ وَإِنْ جَهِلَهُ الْمُوَكَّلُ وَطَرِيقُ خَلَاصِ الْوَكِيلِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِالْأُجْرَةِ أَنْ يَعْقِدَ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي يَدِ مُوَكِّلِهِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ إذَا بَانَتْ مُسْتَحِقَّةٌ لَا يَكُونُ الْوَكِيلُ طَرِيقًا فِي ضَمَانِهَا وَإِذَا بَيَّنَ لِلْمُوَكَّلِ أَعْمَالَ النُّسُكِ وَاجِبَاتِهِ وَمَسْنُونَاتِهِ وَتَصَوَّرَهَا ثُمَّ عَقَدَ وَهُوَ مُتَصَوِّرٌ لَهَا جَازَ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي بَحْثٌ عَمَّا ذُكِرَ وَلَا إلْزَامٌ بِهِ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ امْتَنَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute